الكتاب : الحسد |
الحسد
الحسد لغةً :
الْحَسَدُ مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: حَسَدَ يَحْسِدُ وَيَحْسُدُ - بِكَسْرِ السِّينِ
وَضَمِّهَا - وَأَصْلُهُ القَشْرُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَسْدَلِ وَهُوَ
القُرَادُ، فَالْحَسَدُ يَقْشِرُ الْقَلْبَ، كَمَا تَقْشِرُ القُرَادُ الجِلْدَ
فَتَمْتَصُّ دَمَهُ.
وَحَسَدْتُكَ عَلَى الشَّيْءِ، وَحَسَدْتُكَ الشَّيْءَ بِمَعْنًى. يَقُولُ
الفَيُّومِيُّ:[حَسَدْتُهُ عَلَى النِّعْمَةِ وَحَسَدْتُهُ النِّعْمَةَ حَسَدًا.
بِفَتْحِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ سُكُونِهَا، يَتَعَدَّى إِلَى الثَّانِي
بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ إِذَا كَرِهْتَهَا عِنْدَهُ، وَتَمَنَّيْتَ زَوَالَهَا
عَنْهُ] وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ غَيْرُ الغِبْطَةِ، لأَنَّ الأُولَى
صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ، وَالثَّانِيةَ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الرَّاغِبُ:
وَرُوِيَ [الْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ، وَالمُنَافِقُ يَحْسُدُ] وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} (البقرة/9) وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (الفلق/5) وَقَوْلُهُ J: [لاَ حَسَدَ
إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ] هُوَ أَنْ يَتَمَنَّى الرَّجُلُ أَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ
مَالاً يُنْفِقُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ، أَوْ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ
حَافِظًا لِكِتَابِ اللهِ، فَيتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ،
وَلاَ يَتَمَنَّى أَنْ يُرْزَأَ صَاحِبُ الْمَالِ فِي مَالِهِ أَوْ تَالِي
الْقُرْآنِ فِي حِفْظِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَسَدُ الْمُبَاحُ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى
بِالْغِبْطَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: الْحَسَدُ أَنْ تَتَمَنَّى زَوَالَ
نِعْمَةِ الْمَحْسُودِ، وَحَسَدَهُ يَحْسِدُه ويَحْسُدُهُ حَسَدًا وَحَسَّدَهُ
إِذَا تَمَنَّى أَنْ تَتَحَوَّلَ إِليْهِ نِعْمَتُهُ وَفَضِيلَتُهُ أَوْ
يُسْلَبَهُمَا.
(1/1)
وَتَحَاسَدَ
الْقَوْمُ، وَرَجُلٌ حَاسِدٌ مِنْ قَوْمٍ حُسَّدٍ(1).
الحسد اصطلاحًا:
كَرَاهَةُ النِّعْمَةِ وَحُبُّ زَوَالِهَا عَنِ المُنْعَمِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الجُرْجَانِيُّ: الْحَسَدُ تَمَنِّي زَوَالَ نِعْمَةِ المَحْسُودِ إِلَى
الْحَاسِدِ (2).
وَقَالَ الجَاحِظُ: الْحَسَدُ: هُوَ التَأَلُّمُ بِمَا يَرَاهُ الإِنْسَانُ
لِغَيْرِهِ وَمَا يَجِدُهُ فِيهِ مِنَ الفَضَائِلِ، وَالاجْتِهَادُ فِي إعْدَِامِ
ذَلِكَ الْغَيْرِ مَا هُوَ لَهُ، وَهُوَ خُلُقٌ مَكْرُوهٌ وَقَبِيحٌ بِكُلِّ
أَحَدٍ(3).
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: حَقِيقَةُ الْحَسَدِ: شِدَّةُ الأَسَى عَلَى الخَيْرَاتِ
تَكُونُ لِلنَّاسِ الأَفَاضِلِ (4).
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: الْحَسَدُ: تَمَنِّي زَوَالَ نِعْمَةٍ عَنْ مُسْتَحِقٍّ
لَهَا، وَقِيلَ: هُوَ ظُلْمُ ذِي النِّعْمَةِ بِتَمَنِّي زَوَالَهَا عَنْهُ
وَصَيْرُورَتِهَا إِلَى الْحَاسِدِ(5).
وَقَالَ الْكَفَوِيُّ: الْحَسَدُ: اخْتِلاَفُ الْقَلْبِ عَلَى النَّاسِ لِكَثْرَةِ
الأَمْوَالِ وَالأَمْلاَكِ(6).
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْحَسَدُ تَمَنِّي زَوَالَ نِعْمَةٍ مِنْ مُسْتَحِقٍّ لَهَا،
وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ ذَلِك سَعْيٌ فِي إِزَالَتِهَا.
فضيلة الابتعاد عن الحسد:
__________
(1) الصحاح للجوهري (2/546)، ولسان العرب (3/8)، ومقاييس اللغة (2/1)،
و المفردات (1)، والمصباح المنير (1/5) .
(2) الإحياء (3/9)، والتعريفات (7) .
(3) تهذيب الأخلاق (3) .
(4) أدب الدنيا والدين (260) .
(5) التوقيف (139 ، 140) .
(6) الكليات للكفوي (408 ، 672).
(1/2)
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اعْلَمْ أَنَّ الْحَسَدَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ،
مَعَ إِضْرَارِهِ بِاْلَبَدَنِ، وَإِفْسَادِهِ لِلدِّينِ، حَتَّى لَقَدْ أَمَرَ
اللهُ بِالاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ
إِذَا حَسَدَ} (الفلق/5). وَنَاهِيكَ بِحَالِ ذَلِكَ شَرًّا، وَلَو لَمْ يَكُنْ
مِنْ ذَمِّ الْحَسَدِ إِلاَّ أَنَّهُ خُلُقٌ دَنِيءٌ، يَتَوَجَّهُ نَحْوَ
الأَكْفَاءِ وَالأَقَارِبِ، وَيَخْتَصُّ بِالْمُخَالِطِ وَالصَّاحِبِ، لَكَانَتِ
النَّزَاهَةُ عَنْهُ كَرَمًا، وَالسَّلاَمَةُ مِنْهُ مَغْنَمًا، فَكَيْفَ وَهُوَ
بِالنَّفْسِ مُضِرٌّ، وَعَلَى الهَمِّ مُصِرٌّ حَتَّى رُبَّمَا أَفْضَى
بِصَاحِبِهِ إِلَى التَّلَفِ، مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي عَدُوٍّ، وَلاَ إِضْرَارٍ
بِمَحْسُودٍ.
بين الحسد والمنافسة:
(1/3)
إِذَا
كَانَ الْحَسَدُ شِدَّةَ الأَسَى عَلَى الْخَيْرَاتِ تَكُونُ لِلنَّاسِ
الأَفَاضِلِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ المُنَافَسَةِ، وَرُبَّمَا غَلِطَ قَوْمٌ فَظَنُّوا
أَنَّ المُنَافَسَةَ فِي الخَيْرِ هِيَ الْحَسَدُ، وَلَيْسَ الأَمْرُ عَلَى مَا
فَطِنُوا؛ لأَنَّ المُنَافَسَةَ طَلَبُ التَّشَبُّهِ بِالأَفَاضِلِ مِنْ غَيْرِ
إِدْخَالِ ضَرَرٍ عَلَيْهِمْ، وَالْحَسَدُ مَصْرُوفٌ إِلَى الضَّرَرِ؛ لأَنَّ
غَايَتَهُ أَنْ يَعْدَمَ الأَفَاضِلُ فَضْلَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ
الفَضْلُ لَهُ، فَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنَافَسَةِ وَالْحَسَدِ،
فَالْمُنَافَسَةُ إِذَنْ فَضِيلَةٌ لأَنَّها دَاعِيَةٌ إِلَى اكْتِسَابِ
الفَضَائِلِ وَالاِقْتِدَاءِ بِأَخْيَارِ الأَفَاضِلِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ بِحَسَبِ
فَضْلِ الإِنْسَانِ، وَظُهُورِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ، يَكُونُ حَسَدُ النَّاسِ
لَهُ، فإِنْ كَثُرَ فَضْلُهُ كَثُرَ حُسَّادُهُ، وَإِنْ قَلَّ قَلُّوا، لأَنَّ
ظُهُورَ الْفَضْلِ يُثِيرُ الْحَسَدَ، وَحُدُوثَ النِّعْمَةِ يُضَاعِفُ
الْكَمَدَ(1).
الفرق بين البخل والحسد:
قَالَ الْكَفَوِيُّ: الْبُخْلُ وَالْحَسَدُ مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ صَاحِبَهُمَا
يُرِيدُ مَنْعَ النِّعْمَةِ عَنِ الْغَيْرِ، ثُمَّ يَتَمَيَّزُ الْبَخِيلُ
بِعَدَمِ دَفْعِ ذِي النِّعْمَةِ شَيْئًا، وَالْحَاسِدُ يَتَمَنَّى أَلاَّ يُعْطَى
أَحَدٌ سِوَاهُ شَيْئًا(2).
الفرق بين الحسد والغبطة:
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (0- 2)، (6، 177) ط. بولاق .
(2) الكليات (2).
(1/4)
قَالَ
الْكَفَوِيُّ: الْغِبْطَةُ: تَمَنِّي الإِنْسَانَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ الَّذِي
لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ إِذْهَابِ مَا لِغَيْرِهِ، أَمَّا الْحَسَدُ
فَهُوَ إِرَادَةُ زَوَالِ نِعْمَةِ الغَيْرِ، ثُمَّ إِنَّ الْغِبْطَةَ صِفَةُ
الْمُؤْمِنِ، وَالْحَسَدَ صِفَةُ المُنَافِقِ(1).
دواعي الحسد:
قَالَ المَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اعْلَمْ أَنَّ دَوَاعِيَ الْحَسَدِ
ثَلاَثةٌ:
1- بُغْضُ المَحْسُودِ، فَيَأْسَى عَلَيْهِ بِفَضِيلَةٍ تَظْهَرُ، أَوْ
مَنْقَبَةٍ تُشْكَرُ، فَيُثِيرُ حَسَدًا قَدْ خَامَرَ بُغْضًا وَهَذَا النَّوْعُ
لاَ يَكُونُ عَامًّا، وَإِنْ كَانَ أَضَرَّهَا، لأَنَّهُ لَيْسَ يَبْغَضُ كُلَّ
النَّاسِ.
2- أَنْ يَظْهَرَ مِنَ المَحْسُودِ فَضْلٌ يَعْجِزُ عَنْهُ، فَيَكْرَهُ
تَقَدُّمَهُ فِيهِ، وَاخْتِصَاصَهُ بِهِ، فَيُثِيرُ ذَلِكَ حَسَدًا لَوْلاَهُ
لَكَفَّ عَنْهُ، وَهَذَا أَوْسَطُهَا، لأَنَّهُ لاَ يَحْسُدُ مِنَ الأَكْفَاءِ
مَنْ دَنَا، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِحَسَدِ مَنْ عَلاَ، وَقَدْ يَمْتَزِجُ بِهَذَا
النَّوْعِ ضَرْبٌ مِنَ المُنَافَسَةِ، وَلَكِنَّهَا مَعَ عَجْزٍ، فَلِذَلِكَ
صَارَتْ حَسَدًا.
__________
(1) المرجع السابق (672)، وانظر المفردات للراغب(117).
(1/5)
3-
أَنْ يَكُونَ فِي الْحَاسِدِ شُحٌّ بِالْفَضَائِلِ، وَبُخْلٌ بِالنِّعَمِ
وَلَيْسَتْ إِلَيْهِ، فَيَمْنَعُ مِنْهَا، وَلاَ بِيَدِهِ، فَيَدْفَعُ عَنْهَا،
لأَنَّهَا مَوَاهِبُ قَدْ مَنَحَهَا اللهُ مَنْ شَاءَ، فَيَسْخَطُ عَلَى اللهِ -
عَزَّ وَجَلَّ - فِي قَضَائِهِ، وَيَحْسُدُ عَلَى مَا مَنَحَ مِنْ عَطَائِهِ،
وَإِنْ كَانَتْ نِعَمُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عِنْدَهُ أَكْثَرَ، وَمِنَحُهُ
عَلَيهِ أَظْهَرَ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْحَسَدِ أَعَمُّهَا وَأَخْبَثُهَا،
إِذْ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ رَاحَةٌ، وَلاَ لِرِضَاهُ غَايَةٌ، فَإِنِ اقْتَرَنَ
بِشَرٍّ وَقُدْرَةٍ كَانَ جَوْرًا وَانْتِقَامًا، وَإِنْ صَادَفَ عَجْزًا
وَمَهَانَةً كَانَ جَهْدًا وَسِقَامًا.
وَأَضَافَ الغَزَالِيُّ إِلَى ذَلِكَ أَسْبَابًا أُخْرَى أَهَمُّهَا: الْخَوْفُ
مِنْ فَوْتِ الْمَقَاصِدِ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمُتَزَاحِمَيْنِ عَلَى مَقْصُودٍ
وَاحِدٍ. فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَحْسُدُ صَاحِبَهُ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ تَكُونُ
عَوْنًا لَهُ فِي الانْفِرَادِ بِمَقْصُودِهِ، وَمِنْ هَذَا الجِنْسِ تَحَاسُدُ
الضَّرَّاتِ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى مَقَاصِدِ الزَّوْجِيَّةِ، وَتَحَاسُدُ
الإِخْوَةِ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى نَيْلِ الْمَنْزِلَةِ فِي قَلْبِ الأَبَوَيْنِ
لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إِلَى مَقَاصِدِ الْكَرَامَةِ وَالْمَالِ(1).
دواء الحسد:
__________
(1) أدب الدنيا والدين (176)، وإحياء علوم الدين للغزالي (3/0) (ط.الريان).
(1/6)
الحَسَدُ
يُعَالَجُ بِأُمُورٍ هِيَ لَهُ حَسْمٌ، إِنْ صَادَفَهَا عَزْمٌ، فَمِنْهَا:
اتِّبَاعُ الدِّينِ فِي اجْتِنَابِهِ، وَالرُّجُوعُ إلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -
فِي آدَابِهِ فَيَقْهَرُ نَفْسَهُ عَلَى مَذْمُومِ خُلُقِهَا، وَيَنْقُلُهَا عَنْ
لَئِيمِ طَبْعِهَا وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الطِّبَاعِ عَسِرًا، لَكِنْ بِالرِّيَاضَةِ
وَالتَّدْرِيجِ يَسْهُلُ مِنْهَا مَا اسْتُصْعِبَ، وَيُحَبَّبُ مِنْهَا مَا
أَتْعَبَ.
وَمِنْهَا: الْعَقْلُ الَّذِي يُسْتَقْبَحُ بِهِ مِنْ نَتَائِجِ الْحَسَدِ مَا لاَ
يُرْضِيهِ، وَيَسْتَنْكِفُ مِنْ هُجْنَةِ مُسَاوِيهِ. فَيُذَلِّلُ نَفْسَهُ
أَنَفَةً، وَيُطَهِّرُهَا حَمِيَّةً، فَتُذْعِنُ لِرُشْدِهَا، وَتُجِيبُ إِلَى
صَلاَحِهَا.
وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ لَدَى النَّفْسِ الأَبِيَّةِ،وَالْهِمَّةِ العَلِيَّةِ،
وَإِنْ كَانَ ذُو الهِمَّةِ يَجِلُّ عَنْ دَنَاءةِ الْحَسَدِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَدْفِعَ ضَرَرَهُ، وَيَتَوقَّى أَثَرَهُ، وَيَعْلَمَ أَنَّ
مَكَانَتَهُ فِي نَفْسِهِ أَبْلَغُ، وَمِنَ الْحَسَدِ أَبْعَدُ، فَيَسْتَعْمِلُ الْحَزْمَ
فِي دَفْعِ مَا كَدَّهُ وَأَكْمَدَهُ، لِيَكُونَ أَطْيَبَ نَفْسًا وَأَهْنَأَ
عَيْشًا. وَمِنْهَا: أَنْ يَرْضَى بِالْقَضَاءِ، وَيَسْتَسْلِمَ لِلْمَقْدُورِ،
وَلاَ يَرَى أَنْ يُغَالِبَ قَضَاءَ اللهِ، فَيَرْجِعَ مَغْلُوبًا، وَلاَ أَنْ
يُعَارِضَهُ فِي أَمْرِهِ، فَيُرَدَّ مَحْرُومًا مَسْلُوبًا.
(1/7)
فَإِنْ
أَظْفَرَتْهُ السَّعَادَةُ بِأَحَدِ هَذِهِ الأَسْبَابِ، وَاقْتَادَتْهُ
الْمَرَاشِدُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الصَّوَابِ، سَلِمَ مِنْ سَقَامِهِ، وَخَلَصَ
مِنْ غَرَامِهِ، وَاسْتَبَدَلَ بِالنَّقْصِ فَضْلاً، وَاعْتَاضَ مِنَ الذَّمِّ
حَمْدًا، وَلَمَنِ اسْتَنْزَلَ نَفْسَهُ عَنْ مَذَمَّةٍ، وَصَرَفهَا عَنْ
لاَئِمَةٍ هُوَ أَظْهَرُ حَزْمًا، وَأَقْوَى عَزْمًا، مِمَّنْ كَفَتْهُ النَّفْسُ
جِهَادَهَا، وَأَعْطَتْهُ قِيادَهَا (1).
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: [وَيَنْدَفِعُ شَرُّ الْحَاسِدِ عَنِ
المَحْسُودِ بِعَشْرَةِ أَسْبَابٍ:
السَّبَبُ الأَوَّلُ: التَّعَوُّذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ، وَالتَّحَصُّنُ بِهِ
وَاللُّجُوءُ إِلَيْهِ.
السَّبَبُ الثَّانِي: تَقْوَى اللهِ، وَحِفْظُهُ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.
فَمَنِ اتَّقَى اللهَ تَوَلَّى اللهُ حِفْظَهُ، وَلَمْ يَكِلْهُ إِلَى غَيْرِهِ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: الصَّبْرُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَأَنْ لاَ يُقَاتِلَهُ وَلاَ
يَشْكُوَهُ، وَلاَ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِأَذَاهُ أَصْلاً. فَمَا نُصِرَ عَلَى
حَاسِدِهِ وَعَدُوِّهِ بِمِثْلِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ. فَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ
فَهُوَ حَسْبُهُ، وَالتَّوَكُّلُ مِنْ أَقْوَى الأَسْبَابِ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا
الْعَبْدُ مَا لاَ يُطِيقُ مِنْ أَذَى الْخَلْقِ وَظُلْمِهِمْ وَعُدْوَانِهِمْ.
وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الأَسْبَابِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ اللهَ حَسْبُهُ، أَيْ
كَافِيهِ. وَمَنْ كَانَ اللهُ كَافِيَهُ وَوَاقِيَهُ فَلاَ مَطْمَعَ فِيهِ
لِعَدُوِّهِ.
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (2)، (176) وما بعدها (ط. بولاق ).
(1/8)
السَّبَبُ
الْخَامِسُ: فَرَاغُ الْقَلْبِ مِنَ الاشْتِغَالِ بِهِ وَالْفِكْرِ فِيهِ، وَأَنْ
يَقْصِدَ أَنْ يَمْحُوَهُ مِنْ بَالِهِ كُلَّمَا خَطَرَ لَهُ. فَلاَ يَلْتَفِتُ
إِلَيْهِ، وَلاَ يَخَافُهُ، وَلاَ يَمْلأُ قَلْبَهُ بِالْفِكْرِ فِيهِ. وَهَذَا
مِنْ أَنْفَعِ الأَدْوِيَةِ، وَأقْوَى الأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى انْدِفَاعِ
شَرِّهِ.
السَّبَبُ السَّادِسُ: وَهُوَ الإِقْبَالُ عَلَى اللهِ، وَالإِخْلاَصُ لَهُ
وَجَعْلُ مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَالإِنَابَةِ إِليْهِ فِي مَحَلِّ خَوَاطِرِ
نَفْسِهِ وَأَمَانِيِّهَا تَدِبُّ فِيهَا دَبِيبَ تِلْكَ الخَوَاطِرِ شَيْئًا
حَتَّى يَقْهَرَهَا وَيَغْمُرَهَا وَيُذِيبَهَا بِالْكُلِّيَّةِ. فَتَبْقَى
خَوَاطِرُهُ وَهَواجِسُهُ وَأَمَانِيُّهُ كُلُّهَا فِي مَحَابِّ الرَّبِّ،
وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ.
السَّبَبُ السَّابِعُ: تَجْرِيدُ التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي
سَلَّطَتْ عَلَيْهِ أَعْدَاءَهُ. فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا
أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (الشورى/0).
السَّبَبُ الثَّامِنُ: الصَّدَقَةُ وَالإِحْسَانُ مَا أَمْكَنَهُ، فَإِنَّ
لِذَلِكَ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي دَفْعِ البَلاَءِ، وَدَفْعِ العَيْنِ، وَشَرِّ
الْحَاسِدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِلاَّ بِتَجَارِبِ الأُمَمِ قَدِيمًا
وَحَدِيثًا لَكُفِيَ بِهِ. فَمَا حَرَسَ الْعَبْدُ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِ
بِمْثِلِ شُكْرِهَا وَلاَ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ بِمِثْلِ الْعَمَلِ فِيهَا
بِمَعَاصِي اللهِ. وَهُوَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ. وَهُوَ بَابٌ إِلَى كُفْرَانِ
الْمُنْعِمِ.
(1/9)
السَّبَبُ
التَّاسِعُ: وَهُوَ مِنْ أَصْعَبِ الأَسْبَابِ عَلَى النَّفْسِ، وَأَشَقِّهَا
عَلَيْهَا، وَلاَ يُوَفَّقُ لَهُ إِلاَّ مَنْ عَظُمَ حَظُّهُ مِنَ اللهِ، وَهُوَ
إِطْفَاءُ نَارِ الْحَاسِدِ وَالْبَاغِي وَالمُؤْذِي بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِ،
فَكُلَّمَا ازْدَادَ أَذًى وَشَرًّا وَبَغْيًا وَحَسَدًا ازْدَدْتَ إِلَيْهِ
إِحْسَانًا، وَلَهُ نَصِيحَةً، وَعَليْهِ شَفَقَةً. وَمَا أَظُنُّكَ تُصَدِّقُ بِأَنَّ
هَذَا يَكُونُ فَضْلاً عَنْ أَنْ تَتَعَاطَاهُ، فَاسْتَمِعِ الآنَ إِلَى قَوْلِهِ
- عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا
إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ
فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (فصلت/4ـ 6) .
السَّبَبُ العَاشِرُ: وَهُوَ الجَامِعُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ مَدَارُ
هَذِهِ الأَسْبَابِ، وَهُوَ تَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ، وَالتَّرَحُّلُ بِالْفِكْرِ
فِي الأَسْبَابِ إِلَى الْمُسَبِّبِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، وَالعِلْمُ بِأَنَّ
هَذِهِ الآلاَتِ بِمَنْزِلَةِ حَرَكَاتِ الرِّيَاحِ، وَهِيَ بِيَدِ مُحَرِّكِهَا،
وَفَاطِرِهَا وَبَارِئِهَا، وَلاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ.
فَهُوَ الَّذِي يُحْسِنُ عَبْدُهُ بِهَا، وَهُوَ الَّذِي يَصْرِفُهَا عَنْهُ
وَحْدَهُ لاَ أَحَدَ سِوَاهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ
فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ
لِفَضْلِهِ}يونس/7)](1).
__________
(1) التفسير القيم، لابن القيم (5، 3).
(1/10)
[للاستزادة:
انظر صفات: الغل ـ الأثرة ـ صغر الهمة ـ الطمع ـ النقمة ـ البخل ـ الشح ـ السخط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرضا ـ القناعة ـ المحبة ـ الإيثار ـ الزهد ـ السخاء].
الآيات الواردة في الحسد:
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(109)}(1)
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ
بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى
مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً(51)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ
وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا(52)أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ
الْمُلْكِ فَإِذًا لاَ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا(53)أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ
عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا(54)}(2)
{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا
ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُلْ لَنْ
تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ
تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً(15)}(3)
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ
إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ
إِذَا حَسَدَ(5)}(4)
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الحسد"
__________
(1) البقرة : 109 مدنية
(2) النساء : 51 – 54 مدنية
(3) الفتح : 15 مدنية
(4) الفلق : 1 – 5 مكية
(1/11)
1*(عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى
النَّبِيَّ J فَقَالَ: [يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟] فَقَالَ: [نَعَمْ]. قَالَ:
[بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ. مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ
أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ])*(1).
2*(عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللهِ
J أَنَّهُ قَالَ: [إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ
أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟] قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا
أَمَرَنَا اللهُ(2) قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [أَوَ غَيْرَ
ذَلِكَ. تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ
تَتَبَاغَضُونَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ
المُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ])*(3).
3*(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [إِنَّهُ
سَيُصِيبُ أُمَّتِي دَاءُ الأُمَمِ] قَالُوا: وَمَا دَاءُ الأُمَمِ؟ قَالَ:
[الأَشَرُ وَالْبَطَرُ وَالتَّكَاثُرُ وَالتَّنَافُسُ فِي الدُّنْيَا
وَالتَّبَاعُدُ وَالتَّحَاسُدُ حَتَّى يَكُونَ البَغْيُ ثُمَّ الهَرْجُ])*(4).
4*(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ J قَالَ: [إِيَّاكُمْ
وَالظَّنَّ (5)، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ
__________
(1) مسلم (6).
(2) نقول كما أمرنا الله: أي نحمده ونشكره .
(3) مسلم (2).
(4) قال الحافظ العراقي في الإحياء (3/199): أخرجه ابن أبي الدنيا، والطبراني في
الأوسط بإسناد جيد .
(5) إياكم والظن: المراد النهي عن ظن السوء .
(1/12)
الْحَدِيثِ،
وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا(1)، وَلاَ تَنَافَسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا،
وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا])*(2).
5*(عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ J قَالَ: [دَبَّ
إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِي الْحَالِقَةُ، لاَ
أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى
تَحَابُّوا، أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ ذَاكُمْ لَكُمْ؟ أَفْشُوا
السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ])*(3).
6*(عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قِيلَ
لِرَسُولِ اللهِ J: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: [كُلُّ مَخْمُومِ القَلْبِ،
صَدُوقِ اللِّسَانِ] قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ. فَمَا مَخْمُومُ
القَلْبِ؟ قَالَ: [هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ. لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ
وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ])*(4).
__________
(1) ولا تحسسوا ولا تجسسوا: التحسس الاستماع لحديث القوم. والتجسس البحث عن
العورات.
(2) البخاري الفتح0(6) . ومسلم (3)واللفظ له
(3) الترمذي(0) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول(3/6): له شواهد وهو بها
حسن . والمنذري في الترغيب والترهيب (3/8) وقال: رواه البزار بإسناد جيد
والبيهقي وغيرهما.
(4) ابن ماجة (6) وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.
(1/13)
7*(عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ J قَالَ: [لاَ
يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا، ثُمَّ سَدَّدَ وَقَارَبَ،
وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَفَيْحُ
جَهَنَّمَ، وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالْحَسَدُ])*(1).
8*(عَنْ ضَمُرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ J: [لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا])*(2).
9*(عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ J، قَالَ: [مَا
حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى الإِسْلاَمِ
وَالتَّأْمِينِ])*(3).
10*(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ J: [وَاللهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً.
فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ. وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ. وَلَيَضَعَنَّ
الْجِزْيَةَ. وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلاَصُ (4) فَلاَ يُسْعَى عَلَيْهَا.
وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ وَلَيَدْعُوَنَّ
(وَلَيُدْعَوُنَّ) إِلَى المَالِ فَلاَ يَقْبَلُهُ أَحَدٌ])*(5).
__________
(1) صحيح سنن النسائي(2) وقال الألباني: حسن . وصدره عند مسلم(1).
(2) المنذري في الترغيب والترهيب (3/7) وقال: رواه الطبراني ورواته ثقات.
(3) ابن ماجة (6) . وفي الزوائد: هذا إسناده صحيح ورجاله ثقات. والمراد بـ
[التأمين] هنا هو قول المصلي [آمين] عقب قراءة الفاتحة.
(4) القلاص: هي من الإبل كالفتاة من النساء وذكرت هنا لكونها أشرف الإبل التي هي
أنفس الأموال عند العرب، والمعنى: أن يزهد فيها لكثرة الأموال.
(5) مسلم (5).
(1/14)
1-
*(عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: مَا حَسَدْتُ أَحَدًا مَا
حَسَدْتُ خَدِيجَةَ، وَمَا تَزَّوَجَنِي رَسُولُ اللهِ J إِلاَّ بَعْدَ مَا
مَاتَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ J بَشَّرَهَا
بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ(1) لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ)*(2).
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الحسد" معنًى
__________
(1) من قصب: يعني من اللؤلؤ المجوف الواسع كالقصر المنيف.والقصب من الجوهر: ما كان
مستطيلاً أجوف، وقيل: أنابيب من جوهر.
(2) الترمذي(6) وقال: هذا حديث حسن، ورواه الحاكم في المستدرك (3/186) وصححه
ووافقه الذهبي.
(1/15)
12*(عَنْ
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ
لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ J، أَخْبَرَهُ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ J بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنَ الجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ
يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ J هُوَ صَالَحَ
أَهْلَ البَحْرَيْنِ. وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ.
فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ. فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ
بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ. فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ J. فَلَمَّا صَلَّى
رَسُولُ اللهِ J انْصَرَفَ. فَتَعَرَّضُوا لَهُ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ J حِينَ رَآهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: [أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ
مِنَ البَحْرَيْنِ؟] فَقَالُوا: أَجَلْ. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: [فَأَبْشِرُوا
وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ. فَوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ،
وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا
بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا(1) كَمَا تَنَافَسُوهَا،
وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ])*(2).
__________
(1) قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو
أوَّل درجات الحسد.
(2) البخاري الفتح 6(3158) . ومسلم (1) واللفظ له.
(1/16)
13*(عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ J، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ J قَالَ لِجَارِيَةٍ، فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ
J، رَأَى بِوَجْهِهَا سَفْعَةً(1)، فَقَالَ:[بِهَا نَظْرَةٌ(2)،
فَاسْتَرْقُوا لَهَا](يَعْنِي بِوَجْهِهَا صُفْرَةً])*(3).
14- *(عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ J كَانَ يَأْمُرُهَا
أَنْ تَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ)*(4).
15*(عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ J فِي الرُّقْيَةِ
مِنَ العَيْنِ، وَالْحُمَةِ(5)، وَالنَّمْلَةِ(6)*(7).
16*(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: رَخَّصَ
النَّبِيُّ J لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ. وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ
عُمَيْسٍ: [مَالِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً(8) تُصِيبُهُمُ
الْحَاجَةُ] قَالَتْ: لاَ. وَلَكِنَّ العَيْنَ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ. قَالَ:
[ارْقِيهِمْ] قَالَتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: [ارْقِيهِمْ])*(9).
17*(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللهِ J ذَكَرَ أَحَادِيثَ
مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ J: [الْعَيْنُ
حَقٌّ])*(10).
__________
(1) السفعة: فسرها في الحديث بالصفرة، وقيل: سواد. وقيل: هي لون يخالف لون الوجه.
(2) نظرة: النظرة هي العين، أي أصابتها عين.
(3) البخاري - الفتح 0(9) . ومسلم (7) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 0(8) . ومسلم (5) واللفظ له . وابن ماجة (3512).
(5) الحمة: هي السم، ومعناه أذن في الرقية من كل ذات سم.
(6) النملة: هي قروح تخرج في الجنب .
(7) مسلم (6) واللفظ له. والترمذي (2056) وابن ماجة (3516) .
(8) ضارعة: أي نحيفة 0والمراد أولاد جعفر رضي الله عنه.
(9) مسلم (8).
(10) مسلم (7).
(1/17)
18*(عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: عَنِ النَّبِيِّ J: [الْعَيْنُ حَقٌّ
وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإِذَا
اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْتَسِلُوا])*(1).
19*(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ J يَتَعَوَّذُ مِنْ
عَيْنِ الْجَانِّ، ثُمَّ أَعْيُنِ الإِنْسِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ،
أَخَذَ بِهِمَا، وَتَركَ مَا سِوَى ذَلِكَ)*(2).
20*(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ J يَعُوِّذُ
الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: [إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهِمَا
إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ(3)، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ])*(4).
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذَمِّ "الحسد"
1*(قَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: لَيْسَ فِي خِصَالِ الشَّرِّ
أَعْدَلُ مِنَ الْحَسَدِ، يَقْتُلُ الْحَاسِدَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى
الْمَحْسُودِ)*(5).
2*(قَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: كُلُّ النَّاسِ أَقْدِرُ عَلَى
رِضَاهُ إِلاَّ حَاسِدَ نِعْمَةٍ فَإِنَّهُ لاَ يُرْضِيهِ إِلاَّ زَوَالُهَا،
وَلِذَلِكَ قِيلَ:
كُلُّ الْعَدَاوَاتِ قَدْ تُرْجَى إِمَاتَتُهَا……إِلاَّ عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ
عَنْ حَسَدِ)(6)
__________
(1) مسلم (8).
(2) ابن ماجة (1) واللفظ له، والترمذي (8) وقال: حديث حسن، والنسائي (8/1)،
وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5069).
(3) الهامة: واحدة الهوام وهي الحيات.
(4) البخاري - الفتح 6(1).
(5) أدب الدنيا والدين (176) ط بولاق .
(6) الإحياء للغزالي (3/201) ط الريان.
(1/18)
3*(قَالَ
عُمَرُ بْنُ الخَطَّابَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: مَا كَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ
عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ وَجَّهَ لَهَا حَاسِدًا)*(1).
4*(قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا أَكْثَرَ عَبْدٌ ذِكْرَ المَوْتِ إِلاَّ قَلَّ
فَرَحُهُ وَقَلَّ حَسَدُهُ)*(2).
5*(قَالَ الْحَسَنُ: يَا بْنَ آدَمَ لِمَ تَحْسُدُ أَخَاكَ؟ فَإِنْ كَانَ الَّذِي
أَعْطَاهُ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، فَلِمَ تَحْسُدُ مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ؟ وَإِنْ
كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلِمَ تَحْسُدُ مَنْ مَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ)*(3).
6*(قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: هَلْ يَحْسُدُ المُؤْمِنُ؟ قَالَ: مَا أَنْسَاكَ
بَنِي يَعْقُوبَ؟ نَعَمْ، وَلَكِنْ غَمِّهِ فِي صَدْرِكَ(4) فَإِنَّهُ لاَ
يَضُرُّكَ مَا لَمْ تَعْدُ بِهِ يَدٌ وَلاَ لِسَانٌ(5)*(6).
7*(قَالَ ابْنُ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللهُ -: مَا حَسَدْتُ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ
مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ
أَحْسُدُهُ وَهِيَ حُفَيْرَةٌ فِي الْجَنَّةِ؟ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ
فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَصِيرُ إِلَى
النَّارِ؟)*(7).
__________
(1) أدب الدنيا والدين (177) ط بولاق.
(2) الإحياء (3/201).
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) غَمِّهِ في صدرك: أَخْفِهِ واكتمه فيه.
(5) أي: لم تعتد بسببه اليد واللسان فإن اعتد أي منهما وجد الضرر.
(6) الإحياء (3/201) ط. الريان.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(1/19)
8*(قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِاللهِ: كَانَ رَجُلٌ يَغْشَى بَعْضَ الْمُلُوكِ فَيَقُومُ بِحِذَاءِ الْمَلِكِ فَيَقُولُ: أَحْسِنْ إِلَى الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ؛ فَإِنَّ المُسِيءَ سَيَكْفِيهِ إِسَاءَتُهُ، فَحَسَدَهُ رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ المَقَامِ وَالْكَلاَمِ، فَسَعَى بِهِ إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الَّذِي يَقُومُ بِحِذَائِكَ وَيقُولُ مَا يَقُولُ زَعَمَ أَنَّ الْمَلِكَ أَبْخَرُ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدِي؟ قَالَ: تَدْعُوهُ إِلَيْكَ، فَإِنَّهُ إِذَا دَنَا مِنْكَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ لِئَلاَّ يَشُمَّ رِيحَ البَخَرِ، فَقَالَ لَهُ: انْصَرِفْ حَتَّى أَنْظُرَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ فَدَعَا الرَّجُلَ مِنْ عِنْدِهِ وَقَامَ بِحِذَاءِ المَلِكِ عَلَى عَادَتِهِ فَقَالَ: أَحْسِنْ إِلَى المُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ فَإِنَّ المُسِيءَ سَيَكْفِيهِ إِسَاءَتُهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ يَشُمَّ الْمَلِكَ مِنْهُ رَائِحَةَ الثُّومِ، فَقَالَ الْمَلِكُ فِي نَفْسِهِ: مَا أَرَى فُلاَنًا إِلاَّ قَدْ صَدَقَ قَالَ: وَكَانَ الْمَلِكُ لاَ يَكْتُبُ بِخَطِّهِ إِلاَّ بِجَائِزَةٍ أَوْ صِلَةٍ فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا بِخَطِّهِ إِلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ: إِذَا أَتَاكَ حَامِلُ كِتَابِي هَذَا فاذْبَحْهُ وَاسْلُخْهُ وَاحْشُ جِلْدَهُ تِبْنًا وَابْعَثْ بِهِ إِلَيَّ، فَأَخَذَ الكِتَابَ وَخَرَجَ، فَلَقِيَهُ الرَّجُلُ الَّذِي سَعَى بِهِ فَقَالَ: مَا هَذَا الكِتَابُ؟ قَالَ خَطَّ الْمَلِكُ لِي بِصِلَةٍ، فَقَالَ: هَبْهُ لِي، فَقَالَ: هُوَ لَكَ، فأَخَذَهُ وَمَضَى بِهِ إلَى العَامِلِ، فَقَالَ العَامِلُ: فِي كِتَابِكَ أَنْ أَذْبَحَكَ وأَسْلُخَكَ، قَالَ: إِنَّ الكِتَابَ لَيْسَ هُوَ لِي، فَاللهَ اللهَ فِي
(1/20)
أَمْرِي
حَتَّى تُرَاجِعَ الْمَلِكَ، فَقَالَ: لَيْسَ لِكِتَابِ الْمَلِكِ مُرَاجَعَةٌ،
فَذَبَحَهُ وَسَلَخَهُ وَحَشَا جِلْدَهُ تِبْنًا وَبَعَثَ بِهِ، ثُمَّ عَادَ
الرَّجُلُ إِلَى الْمَلِكِ كَعَادَتِهِ، وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَعَجِبَ
الْمَلِكُ وَقَالَ: مَا فَعَلَ الكِتَابُ؟ فَقَالَ: لَقِيَنِي فُلاَنٌ
فَاسْتَوْهَبَهُ مِنِّي فَوَهَبْتُهُ لَهُ، قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: إِنَّهُ ذَكَرَ
لِي أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنِّي أَبْخَرُ. قَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ قَالَ: فَلِمَ
وَضَعْتَ يَدَكَ عَلَى فِيكَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ أطْعَمَنِي طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ
فَكَرِهْتُ أَنْ تَشُمَّهُ، قَالَ: صَدَقْتَ. ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ، فَقَدْ
كُفِيَ المُسِىءَ إِسَاءَتُهُ)(1).
9*(قَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ: الْحَسَدُ دَاءُ الجَسَدِ)*(2).
10*(وَقَالَ أَيْضًا: الْحَاسِدُ مُغْتَاظٌ عَلَى مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ. بَخِيلٌ
بِمَا لاَ يَمْلِكُهُ، طَالِبٌ مَا لاَ يَجِدُهُ)*(3).
1*(قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ المُعْتَزِّ - رَحِمَهُ اللهُ-:
اصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الْحَسُودِ فَإِنَّ صَبْرَكَ قَاتِلُهْ
فَالنَّارُ تَأْكُلُ بَعْضَهَا إِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تأْكُلُهْ)*(4).
12*(قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَكْفِيكَ مِنَ الْحَاسِدِ أَنَّهُ يَغْتَمُّ فِي
وَقْتِ سُرُورِكَ)*(5).
13*(قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْحَسَدُ جُرْحٌ لاَ يَبْرَأُ، وَحَسْبُ
الحَسُودِ مَا يَلْقَى)*(6).
__________
(1) الإحياء (3/200 - 201) ط.الريان.
(2) أدب الدنيا والدين (179) ط. الريان.
(3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المصدر السابق (176) ط بولاق.
(5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها .
(6) الإحياء (3/1) .
(1/21)
14*(قَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ: الْحَسَدُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ،
يَعْنِي حَسَدَ إِبْلِيسَ لآدَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَأَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ
اللهُ بِهِ فِي الأَرْضِ، يَعْنِي حَسَدَ ابْنِ آدَمَ لأَخِيهِ حَتَّى
قَتَلَهُ)*(1).
15*(قَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَاسِدُ لاَ يَنَالُ مِنَ الْمَجَالِسِ إِلاَّ
مَذَمَّةً وَذُلاًّ، وَلاَ يَنَالُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ لَعْنَةً
وَبُغْضًا، وَلاَ يَنَالُ مِنَ الْخَلْقِ إِلاَّ جَزَعًا وَغَمًّا، وَلاَ يَنَالُ
عِنْدَ النَّزْعِ إِلاَّ شِدَّةً وَهَوْلاً، وَلاَ يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ
إِلاَّ فَضِيحَةً وَنَكَالاً)*(2).
16*(قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: مَنْ رَضِيَ بِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى لَمْ
يُسْخِطْهُ أَحَدٌ، وَمَنْ قَنَعَ بِعَطَائِهِ لَمْ يَدْخُلْهُ حَسَدٌ)*(3).
17*(قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: النَّاسُ حَاسِدٌ وَمَحْسُودٌ، وَلِكُلِّ
نِعْمَةٍ حَسُودٌ)*(4).
18*(قَالَ بَعْضُ الأُدَبَاءِ: مَا رَأَيْتُ ظَالِمًا أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنَ
الْحَسُودِ، نَفَسٌ دَائِمٌ، وَهَمٌّ لاَزِمٌ، وَقَلْبٌ هَائِمٌ، فَأَخَذَهُ
بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، فَقَالَ:
إِنَّ الْحَسُودَ الظَّلُومَ فِي كَرْبٍ…يَخَالُهُ مَنْ يَرَاهُ مَظْلُومَا
ذَا نَفَسٍ دَائِمٍ عَلَى نَفْسٍ……يُظْهِرُ مِنْهَا مَا كَانَ مَكْتُومَا)*(5).
19قَالَ عَبْدُالْحَمِيدِ الكَاتِبُ: الْحَسُودُ مِنَ الْهَمِّ كَسَاقِي
السُّمِّ، فَإِنْ سَرَى سُمُّهُ زَالَ عَنْهُ هَمُّهُ)*(6).
20*(وَقَالَ أَيْضًا: أَسَدٌ تُقَارِبُهُ خَيْرٌ مِنْ حَسُودٍ تُرَاقِبُهُ)*(7).
__________
(1) أدب الدنيا والدين (176) .
(2) الإحياء (3/201).
(3) أدب الدنيا والدين (ص 176) ط. بولاق.
(4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) أدب الدنيا والدين(176) ط .بولاق.
(6) المصدر السابق (177) ط .بولاق.
(7) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(1/22)
21*(قَالَ
الشَّاعِرُ:
إِنْ يَحُسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لاَئِمِهِمْ……قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلِ
الفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمُ……وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا
يَجِدُ)*(1).
2*(وَقَالَ آخَرُ:
يَا حَاسِدًا لِي عَلَى نِعْمَتِي……أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْْتَ الأَدَبْ؟
أَسَأْْتَ عَلَى اللهِ فِي حُكْمِهِ……لأَنَّكَ لَمْ تَرْضَ لِي مَا وَهَبْ
فَأَخْزَاكَ رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي……وَسَدَّ عَلَيْكَ وُجُوهَ الطَّلَبْ)*(2).
23*(وَقَالَ آخَرُ:
إِنِّي لأَرْحَمُ حَاسِدِي مِنْ حَرِّ مَآ……ضَمَّتْ صُدُورُهُمُ مِنَ الأَوْغَارِ
نَظَرُوا صَنِيعَ اللهِ بِي فَعُيُونُهُمْ……فِي جَنَّةٍ وَقُلُوبُهُمْ فِي
النَّارِ)*(3).
24*(وَقَالَ آخَرُ:
جَامِلْ عَدُوَّكَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّهُ……بِالرِّفْقِ يُطْمَعُ فِي صَلاَحِ
الْفَاسِدِ
وَاحْذَرْ حَسُودَكَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّهُ……إِنْ نِمْتَ عَنْهُ فَلَيْسَ
عَنْكَ بِرَاقِدِ
إِنَّ الْحَسُودَ وَإِنْ أَرَاكَ تَوَدُّدًآ…… مِنْهُ أَضَرُّ مِنَ العَدُوِّ
الْحَاقِدِ
وَلَرُبَّمَا رَضِيَ العَدُوُّ إِذَا رَأَى…… مِنْكَ الجَمِيلَ فَصَارَ غَيْرَ
مُعَانِدِ
وَرِضَا الْحَسُودِ زَوَالُ نِعْمَتِكَ التَّي… أُوتِيتَهَا مِنْ طَارِفٍ أَوْ
تَالِدِ
فَاصْبِرْ عَلَى غَيْظِ الْحَسُودِ فَنَارُهُ……تَرْمِي حَشَاهُ بِالْعَذَابِ
الْخَالِدِ)*(4).
من مضار "الحسد"
(1) إِسْخَاطُ اللهِ تَعَالَى فِي مُعَارَضَتِهِ، وَاجْتِنَاءُ الأَوْزَارِ فِي
مُخَالَفَتِهِ، إِذْ لَيْسَ يَرَى قَضَاءَ اللهِ عَدْلاً وَلاَ لِنِعَمِهِ مِنَ
النَّاسِ أَهْلاً.
__________
(1) أدب الدنيا والدين (177) ط . بولاق.
(2) الترغيب والترهيب للمنذري (3/5- 7).
(3) الترغيب والترهيب للمنذري (3/5- 7).
(4) المصدر السابق (3/5- 7) الهامش .
(1/23)
(2)
حَسَرَاتُ النَّفْسِ وَسِقَامُ الْجَسَدِ، ثُمَّ لاَ يَجِدُ لِحَسْرَتِهِ
اِنْتِهَاءً، وَلاَ يُؤَمِّلُ لِسِقَامِهِ شِفَاءً.
(3) انْخِفَاضُ الْمَنْزِلَةِ، وَانْحِطَاطُ المَرْتَبَةِ.
(4) مَقْتُ النَّاسِ لَهُ، حَتَّى لاَ يَجِدَ فِيهِمْ مُحِبًّا، وَعَدَاوَتُهُمْ
لَهُ حَتَّى لاَ يَرَى فِيهِمْ وَلِيًّا، فَيَصِيرُ بِالْعَدَاوَةِ مَأْثُورًا
وَبِالْمَقْتِ مَزْجُورًا.
(5) يَجْلِبُ النِّقَمَ وَيُزِيلُ النِّعَمَ.
(6) مَنْبَعُ الشُّرُورِ العَظِيمَةِ وَمِفْتَاحُ الْعَوَاقِبِ الْوَخِيمَةِ.
(7) يُورِثُ الْحِقْدَ وَالضَّغِينَةَ فِي الْقَلْبِ.
(8) مِعْولُ هَدْمٍ فِي الْمُجْتَمَعِ.
(9) دَلِيلٌ عَلَى سُفُولِ الْخُلُقِ وَدَنَاءَةِ النَّفْسِ.
=====
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق