تضرع ودعاء

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

لمن تكون الشفاعة

لمن تكون الشفاعة

 https://thelowofalhak.blogspot.com/2018/11/pdf.html

الأربعاء، 30 مارس 2022

كتاب : 7 تمهيد في معنى الحياة والنفس الإنسانية {م نرة النعيم}

 

الكتاب : 7 تمهيد في معنى الحياة والنفس الإنسانية

الحياة والنفس الإنسانية
بقلم : عبدالرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح
مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع
تمهيد :

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدَّر فهدى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .. وبعد:
فقد اشتملت هذه الموسوعة على مكارم أخلاق الرسول
Jالتي تشكل فيما بينها (منظومة أخلاق متكاملة) تصلح بها أمور الإنسان في الدنيا والآخرة، ولما كان الأخذ بمعالي الأخلاق ومكارمها يستلزم (ضرورة) التخلي عن مذمومها من حيث كونهما ضدان لا يجتمعان، كان لابد من الحرص على إبراز هذه الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الشارع الحكيم، وبذلك تتوفر لقارئ هذه الموسوعة قاعدة علمية شاملة تضم الأمرين جميعا: المأمور به والمنهي عنه في القرآن والسنة، وهنا يتحقق شرط الإلزام الخلقي الأساسي، ألا وهو المعرفة النافية للجهالة(1).
وبهذه المعرفة تتحدد المعايير الضرورية التي تضبط حركة السلوك الإنساني في هذه الحياة، بيد أن هذه المعرفة وحدها غير كافية، إذ ينبغي على المؤمن أن يربط القول بالعمل، والمعرفة بالسلوك، بحيث لا يكون القول مجرد كلام لا جدوى منه، وتكون المعرفة مجرد إطار نظري لا فائدة منها، ذلك أن اقتران القول بالعمل والمعرفة بالممارسة قاعدة إسلامية أقرها القرآن الكريم في قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}(2).
__________
(1) انظر شروط الإلزام الخُلُقي وخاصة ما يتعلق بالمعرفة في (النظرية الخلقية عند ابن تيمية) ص 136 وانظر أيضا ص 100 وما بعدها من هذه الموسوعة.
(2) الصف/2 - 3.

(1/1)


وقد كانت حياة الرسول Jتجسيدًا عمليا لكل ما كان يدعو الناس إليه من مكارم الأخلاق وحميد الصفات فكان Jمثالاً يحتذى في عدله ورحمته وبره، وكانت بعثته Jفي جوهرها لإتمام هذا الجانب التطبيقي المتمثل في تتميم مكارم الأخلاق، قولاً وفعلاً، دعوة وممارسة، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)(1). و (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وربط عليه الصلاة والسلام بين كمال الإيمان وحُسن الخُلُق، فقال: (إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقا)(2). ونبه عليه الصلاة والسلام على أهمية سلوك الخير وفعله فقال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن)(3).
تكليف الإنسان وابتلاؤه:
لقد كرم الله الإنسان، فخلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وفضله على كثير ممن خلق، وأعطاه نعمة العقل، وزوده بنور الفطرة، وجعل خلقته قابلة للتكليف، إن فعل الخير أثيب، وإن فعل الشر عوقب، وهذا هو مقتضى حمل الأمانة التي قبلها الإنسان وأبت السماوات والأرض أن يحملنها، يقول الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}(4).
__________
(1) انظر صفة حُسن الخُلُق، حديث رقم (8).
(2) انظر صفة حُسن الخُلُق، حديث رقم (3).
(3) انظر صفة حُسن الخُلُق، حديث رقم (15).
(4) الأحزاب/72.

(1/2)


لقد جعل الله للإنسان هذه الحياة الدنيا دارًا أولى يحيا فيها ويعمرها، ليستعين بذلك على عبادة ربه طاعة ومحبة وإخلاصًا، ثم ابتلاه بالتكاليف (بالأوامر والنواهي) ليمحصه رحمة منه وفضلاً، يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ : (ابتلاء الخلق بالأوامر والنواهي، رحمة لهم وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، ومن رحمته: أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا بها ويرغبوا عن النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم)(1).
__________
(1) إغاثة اللهفان (2/172) وما بعدها (بتصرف).

(1/3)


قد يظن بعض الناس أن ابتلاء الإنسان بالسراء هو إكرام له لا اختبار طاعة(1)، ويرى الابتلاء بالضراء هو انتقام هوان أو إهانة، وقد نعى القرآن الكريم على هذا الصنف من الناس ذلك الاعتقاد الباطل ونفاه نفيا حاسما، يقول الله تعالى: {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}(2). وقد صحح القرآن الكريم هذا الفهم السيئ في الآيات التي تتلو ذلك مباشرة، وأعاد توجيه الأفهام إلى الممارسات الخاطئة الناتجة عن هذا الفهم السيئ لحكمة الابتلاء، وهذه الممارسة الخاطئة هي عدم إكرام اليتيم وعدم الحض على إطعام المسكين والاستئثار بالمال ولمه وجمعه دون الإنفاق كما أمر الله، فقال تعالى: {كَلاَّ بَلْ لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضُّونَ علَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)(3). والأمثال في هذا المجال كثيرة في القرآن مثل ما جاء في سور الشمس والبلد والضحى. والحقيقة هي أن الله ـ عز وجل ـ يبتلي العباد تارة بالمسار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فتصير المنحة والمحنة جميعًا ابتلاء، فالمنحة تقتضي الشكر والمحنة تقتضي الصبر، يقول الله تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(4). إن هذا الإنسان المكرم لم يخلق عبثًا ولن يترك سدًى، يقول الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ}(5)، ويقول عز من قائل: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى}(6)، ومن ثم فهو محاسب على ما قدمت يداه،
__________
(1) فلسفة التربية الإسلامية، ص 172 )بتصرف).
(2) الفجر/15 - 16.
(3) الفجر/17 - 20.
(4) الأنبياء/35.
(5) المؤمنون/115.
(6) القيامة/36.

(1/4)


إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}(1)، وقد أخبرنا المصطفى Jعن حدود هذه المسئولية ومجالاتها عندما قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن عمره فيمَ أفناه، وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه)(2).
العلاقة بين الإنسان والحياة:
إذا كانت علاقة الإنسان بخالقه هي العبادة مصداقًا لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(3)، وعلاقة الإنسان بالكون علاقة تسخير كما في قوله تعال: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}(4)، فإن علاقة الإنسان بالحياة هي علاقة ابتلاء وتمحيص، مصداقًا لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(5). وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة: أن الله ـ عز وجل ـ خلق الموت للبعث والجزاء وخلق الحياة للابتلاء(6). أما موضوع هذا الابتلاء فهو حسن العمل الذي لخصه الرسول الكريم
J ، في تفسيره للآية بأنه (الورع عن محارم الله والإسراع في طاعته)(7). وتدخل فيه مكارم الأخلاق بأوسع معانيها [انظر الكشاف التوضيحي من (1 – 4) و (4أ) و (4ب)].
بين الابتلاء وحُسن الخُلُق:
__________
(1) الزلزلة/7 - 8.
(2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/396)، وقال: رواه الترمذي، وهو حسن صحيح.
(3) الذاريات/56.
(4) إبراهيم/32 - 33.
(5) الملك/2.
(6) تفسير القرطبي (18/207).
(7) السابق، الصفحة نفسها (بتصرف).

(1/5)


إن هذا الابتلاء الذي يعني الاختبار والتمحيص هو المحك الأساسي الذي يجسد الصراع الأزلي بين قوى الخير والشر في النفس الإنسانية، فالنفس المطمئنة ألهمت التقوى والطاعة، والنفس الأمارة بالسوء ألهمت الشر والفجور، ذلك أن النفس المطمئنة تأمر بالخير وتحض عليه، والنفس الأمارة بالسوء تأمر بالشر وتحض عليه، يساعدها في ذلك شيطان مريد يستغل ضعف الإنسان ويزين له فتن الشبهات والشهوات، وبين الاثنين توجد النفس اللوامة التي تشكل صمام الوقاية وتقوم بعملية الموازنة والتصحيح، إذ تلوم على فعل المعاصي من ناحية، وعلى عدم الاستكثار من فعل الخيرات من ناحية ثانية [انظر الكشاف التوضيحي من (10) إلى (13أ)، وكذلك انظر خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية بعد صفحة (ع ب)].
الأخلاق الكريمة والعبادة:

(1/6)


إن الأخلاق الفاضلة من نحو أعمال القلب والعقل والجوارح واللسان مثل صدق الحديث ،وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والرفق والرأفة، والدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك، كلها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أن العبادة هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له(1)، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(2). وبها أرسل الله جميع الرسل، كما قال نوح لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}(3)، والدين كله داخل في العبادة التي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له(4)، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركنا أساسيا من أركانه.
إن هذه الأخلاق الإيمانية ـ كما أطلق عليها ابن تيمية ـ هي وجه من الوجوه التي يتفاضل فيها الناس فيما يتعلق بزيادة الإيمان ونقصه، يقول ـ رحمه الله تعالى ـ : من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرياء، والكبر والعجب، والرحمة للخلق والنصح لهم، ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانية(5)، ومصداق هذا قوله
J: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا)(6). [انظر الكشاف التوضيحي (4أ)].
__________
(1) الفتاوى (10/149 – 150) بتصرف يسير.
(2) الذاريات/56.
(3) المؤمنون/23.
(4) الفتاوى (10/152). وانظر صفة )العبادة).
(5) انظر الأخلاق الإيمانية في مواطنها من هذه الموسوعة.
(6) بتصرف واختصار عن الفتاوى 7(564)، وانظر الحديث رقم 35 في هذه الصفة.

(1/7)


الإيمان ومكارم الأخلاق:
يقول ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ ما خلاصته: (إذا كان الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، وأنه لابد فيه من شيئين: الأول تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التوحيد، والآخر عمل القلب وهو التوكل على الله وحده ونحو ذلك من حب الله ورسوله، وحب ما يحب الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، كانت أعمال القلب من الحب والإخلاص والخشية والتوكل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى، وكانت الأخلاق الكريمة داخلة فيه أيضًا، وأما البدن فلا يمكن أن يتخلى عن مراد القلب لأنه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، ولهذا قال النبي
J : (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)(1).
إن الإيمان بذلك هو مناط تكوين القيم الخلقية والاجتماعية ونحوها، وهو أيضًا مصدر الإلزام الخلقي، لأنه هو المسيطر على كل غرائز الإنسان وشهواته، والمتحكم في أحاسيسه ودوافعه [انظر الكشاف التوضيحي (5 – 9)].
العبادة ونور الفطرة:
__________
(1) البخاري ـ الفتح (1/52)، ومسلم (2426) واللفظ له، وانظر الحديث بتمامه في صفة الصلاح حديث رقم 13.

(1/8)


لقد كان من مظاهر تكريم الإنسان أن زوده الله تعالى بنور الفطرة التي يستطيع بها أن يعرف ربه، ويستدل بها على صراطه المستقيم وذلك من التدبر في آلائه ونعمه، يقول الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}(1)، والفطرة: هي الخلق والهيئة التي في نفس الطفل، وهي مُعَدَّة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الحنيف ،وهو الذي على الاستعداد له فطر البشر، ولكن تعرضهم العوارض(2)، وقيل: المعنى هو أن الله سبحانه خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات فما دامت باقية على ذلك القبول وتلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق(3).
ويقول ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ : لقد فطر الله عباده على محبته وعبادته، فإذا تركت هذه الفطرة بلا فساد، كان القلب عارفا بالله محبا له عابدا له وحده(4).
إن فساد الفطرة أمر محتمل ووارد سواء أكان من البيئة المحيطة بالإنسان كما قال رسول الله: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)(5). أو من إغواء الشيطان ووسوسته، وفي هذه الحالة اقتضت رحمة الله تعالى بالإنسان أن يرسل إليه الرسل مبشرين ومنذرين ويحدث صراع عنيف بين الشيطان وما يدعو إليه من ناحية وبين الرسل وما يدعون إليه من التزام الصراط المستقيم من ناحية أخرى، بين الفجور والتقوى[انظر الكشاف التوضيحي (4د) و (4ج)]. وسنوضح هذا فيما يلي:
إغواء الشيطان:
__________
(1) الروم/30.
(2) تفسير القرطبي (14/29).
(3) السابق، الصفحة نفسها.
(4) الفتاوى (10/175)بتصرف.
(5) البخاري ـ الفتح (3/1385).

(1/9)


بعد أن خلق الله آدم أمر الملائكة بالسجود له، ولكن إبليس أبى واستكبر وخالف أمر ربه، ولم يسجد لآدم حسدًا وكبرًا، وبعد أن حلَّت عليه اللعنة وطُرِدَ من رحمة الله توعد آدم وذريته بأن يضلهم ويفتنهم ويقعد لهم على صراط الله المستقيم، يقول الله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}(1)، وقد أقسم بعزة الله تعالى أن يغوي جميع بني آدم إلا المُخْلَصِين، يقول الله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}(2). لقد حدد الشيطان الرجيم هدفه وهو إغواء بني آدم وصدهم عن صراط الله المستقيم وصرفهم إلى طُرق أخرى يضيع فيها سعيهم وتضل أعمالهم ويكون مصيرهم نار جهنم وبئس المصير.
إرسال الرسل:
__________
(1) الأعراف/16 - 17.
(2) ص 82 – 83.

(1/10)


وقد كان من تمام رحمة الله تعالى أن بعث رسله مبشرين ومنذرين [انظر الكشاف التوضيحي (3)] معهم الكتاب والميزان ليعتدل أمر الناس ويستبينوا طريق الله تعالى من طريق الشيطان، يقول سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(1)، وكانت دعوتهم جميعًا إلى (صراط الله المستقيم)، يقول الله تعالى على لسان هود عليه السلام: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(2)، ثم جاء النبي Jبالرسالة الخاتمة، ودعا إلى ما دعت إليه الرسل من التزام هذا الصراط، ووصفه ربه بقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}(3).
إذن فإن الثبات على الصراط المستقيم هو محور الصراع بين الخير والشر، بين ما تدعو إليه الرسل وما يسعى إليه الشيطان الرجيم، فما هذا الصراط؟
الصراط المستقيم:
كما سبق أن ذكرنا فإن هذا (الصراط المستقيم) هو دعوة الرسل جميعًا، وهو الهدف الذي يسعى إبليس اللعين أن يقعد لبني آدم عليه فيصدهم عنه، وذكرنا أيضًا أن الله ـ عز وجل ـ على صراط مستقيم، ومعنى كون الله تعالى على صراط مستقيم أنه سبحانه على طريق مستقيم في قضائه وقدره وأمره ونهيه، يهدي من يشاء إليه بفضله ورحمته، ويصرف عنه من يشاء بعدله وحكمته(4).
__________
(1) الحديد/25.
(2) هود/6.
(3) الشورى/52 – 53.
(4) إغاثة اللهفان ص 220.

(1/11)


لقد صور رسول الله Jالتزام الصراط المستقيم والخروج عنه، أي ذلك الصراع بين طاعة الرحمن وطاعة الشيطان فيما يرويه ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: خط رسول الله Jخطا ثم قال: (هذا سبيل الله)، ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال: (هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه)، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(1). فالسبيل المستقيم أو الصراط المستقيم هو ما تدعو له الرسل وتهدي الناس إليه، أما السبل الأخرى التي ينحرف إليها البعض فليست إلا سبلاً شيطانية نشأت بعد أن قعد لهم إبليس على هذا (صراط الله المستقيم).
أما دعوته
Jإلى هذا الصراط المستقيم في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فهي ـ كما يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى: كل علم أو عمل أو حقيقة، أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوته، فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال. فما ثَمَّ خروج عن هذه الطرق الثلاث: طريق الرسول Jوما جاء به، وطريق أهل الغضب (المغضوب عليهم)، وهي طريق من عرف الحق وعانده. وطريق أهل الضلال. وهي طريق من أضله الله عنه. ولهذا قال عبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهم ـ (الصراط المستقيم) هو الإسلام. وقال عبدالله بن مسعود وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ (هو القرآن) وفيه حديث مرفوع في الترمذي وغيره، وقال سهل بن عبدالله (طريق السنة والجماعة) وقال بكر بن عبدالله المزني (طريق رسول الله J) ولا ريب أن ما كان عليه رسول الله Jوأصحابه علمًا وعملاً وهو معرفة الحق وتقديمه، وإيثاره على غيره، فهو الصراط المستقيم(2).
الابتلاء والصراط المستقيم(3) :
__________
(1) الأنعام/153.
(2) مدارج السالكين (1/8).
(3) انظر الحياة الإيمانية في ضوء علاقة الابتلاء والنفس الإنسانية في هذه الموسوعة.

(1/12)


إن الابتلاء والفتنة يمحصان العبد ويردانه إلى هذا الصراط المستقيم إذا استطاع الشيطان في لحظة من لحظات الضعف الإنساني أن يخرج الإنسان عن هذا الصراط المستقيم ويسلك به سبلاً أخرى، وقد كان من رحمة الله سبحانه ألا يدع الإنسان فريسة لهذا الشيطان وإنما زوده بوسائل الحماية والوقاية منه، ثم هيأ له وسائل الإفلات إن وقع في الفخ وخرج عن الصراط المستقيم، فمن ذلك:
1 - الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة: مصداق ذلك قول الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(1).
2 - واعظ الله ـ عز وجل ـ في قلوب عباده المؤمنين: قال رسول الله
J: (إن الله تعالى ضرب مثلاً: صراطًا مستقيمًا. وعلى كَنَفَتَيِ الصراط سوران، لهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو على رأس الصراط، وداع يدعو فوق الصراط، فالصراط المستقيم: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله: فلا يقع أحد في حَدٍّ من حدود الله حتى يكشف الستر، والداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم(2). فهذا الواعظ في قلوب المؤمنين هو الإلهام الإلهي بواسطة الملائكة أو نور الفطرة.
__________
(1) المائدة/15 - 16.
(2) انظر هذا في صفة الاستقامة، حديث رقم (6) وقد خرَّجناه هناك.

(1/13)


3 - مدد الملائكة: ثم يؤيد الله عباده المُخْلَصِين بجند من الملائكة يثبتونهم ويأمرونهم بالخير ويحضونهم عليه يعدون العبد بكرامة الله تعالى ويصبرونه على البلاء، ويبشرونه بثواب الله وعظيم فضله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}(1).
4 - الدعاء والاعتصام بالله: تشتد حاجة العبد أن يسأل ربه أن يهديه إلى هذا الصراط المستقيم، وكان سؤال هذه الهداية أوجب دعاء على كل عبد، وقد أوجبه الله عليه كل يوم وليلة بقوله تعالى في الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينِ}(2). ويردد المسلم ذلك بعدد ركعات صلاة كل يوم حتى يأتيه اليقين لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة(3). قال تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(4).
5 - الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم: إن العبد إذا لجأ إلى الله تعالى واستعاذ به من شر هذا الشيطان فإنه سرعان ما يخنس (ويهرب)(5)، ويتركه وشأنه، ومن ثم تتاح له فرصة الرجوع إلى الصراط المستقيم.
النفس الإنسانية
__________
(1) فصلت/30 - 31.
(2) الفاتحة/6 - 7.
(3) مدارج السالكين (1/63) بتصرف.
(4) آل عمران/101.
(5) انظر صفة الاستعاذة.

(1/14)


قبل أن نتحدث عن العلاقة بين النفس الإنسانية والابتلاء فإنه يجمل بنا نشير – بإيجاز - إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ (نفس) أما لفظ (إنسانية) فهو مصدر صناعي من كلمة (إنسان) وقد تحدثنا في صفة (تكريم الإنسان) عن هذا اللفظ لغةً واصطلاحًا(1)، فأغنى عن ذكره هنا.
النفس لغةً:
لفظ (النفس) في اللغة يُطلَق ويُراد به معان عديدة: منها النفس بمعنى الروح، والنفس بمعنى جملة الشيء وحقيقته، والنفس ما يكون به التمييز، والنفس: العين كما في قولهم أصابت فلانًا نفس، وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن لكل إنسان نفسين: إحداهما نفس العقل التي يكون بها التمييز، والأخرى نفس الروح الذي تكون بها الحياة، وقال بعض اللغويين: النفس والروح واحد، وقال آخرون: بل هما متغايران إذ النفس هي مناط العقل، والروح مناط الحياة، وسميت النفس نفسا لتولّد النَّفَسِ منها واتصاله بها، كما سموا الروح روحاً لأن الروح موجود بها(2).
النفس اصطلاحا:
النفس في اصطلاح علماء الأخلاق هي كما يقول الجرجاني: الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة، والحس والحركة الإرادية(3).
__________
(1) انظر صفة تكريم الإنسان، جـ 4 ، ص 1136 .
(2) انظر في ذلك: الصحاح للجوهري 3/984، ولسان العرب 6/232 (ط. بيروت).
(3) التعريفات للجرجاني 262.

(1/15)


ويقول المناوي: هي جوهر مشرق للبدن ينقطع ضوءه عند الموت من ظاهر البدن وباطنه، وأما وقت النوم فينقطع ضوءه عن ظاهر البدن دون باطنه، فالموت انقطاع كلي، والنوم انقطاع خاص، وعلى ذلك فيكون تعلقها بالإنسان على ثلاثة أضرب: إن غلب ضوء النفس على جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه فهو (حال) اليقظة، وإن انقطع عن ظاهره فقط فهو النوم(1)، وإن انقطع بالكلية فالموت(2).
أما النفس الإنسانية فهي تلك النفس الناطقة التي تحوز جميع خصائص النفوس الأخرى وتزيد عليها قوة العقل والإرادة(3).
قوى النفس الناطقة:
ذكر الإيجيّ في كتابه (الأخلاق) أن للنفس الناطقة ثلاث قوى، هي:
قوة النطق (العاقلة).
قوة الشهوة (البهيمية).
قوة الغضب (السبعية).
__________
(1) يذكرنا هذا بحديث المصطفى
Jالذي رواه حذيفة ـ رضي الله عنه ـ وهو أن النبي Jكان إذا أوى إلى فراشه قال: (باسمك أموت وأحيا)، وإذا قام قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) انظر في تخريج هذا الحديث صفة (الحمد) حديث رقم 53.
(2) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص 328.
(3) قسم العلماء النفس تقسيمات عديدة باعتبارات مختلفة، ومن أهم هذه التقسيمات جعلها ثلاثة أنفس هي :­
1- النفس النامية (في النبات) ولها خصائص الاغتذاء والنمو والتوليد.
2- النفس الحاسة (في الحيوان) ولها نفس الخصائص السابقة وتزيد عليها الحس.
3- النفس الناطقة (في الإنسان) ولها خصائص النوعين السابقين وتزيد عليهما العقل والإرادة (والبيان)، انظر في ذلك: الإنسان وصحته النفسية لمصطفى فهمي ص 8.

(1/16)


واعتدال هذه القوى فضائل، أما أطرافها فهي الرذائل، فاعتدال قوة النطق هو الحكمة وإفراطها الجريرة وتفريطها الغباوة (البلادة)، أما قوة الشهوة فاعتدالها العفة، وإفراطها الفجور، وتفريطها الجحود، وأما قوة الغضب فاعتدالها الشجاعة، وإفراطها التهور، وتفريطها الجبن(1)، هذا فيما يتعلق بالناحية الكمية.
أما من حيث الكيف فإن هذه الفضائل الثلاث أي الحكمة والعفة والشجاعة تتحول ـ إذا أسيء استخدامها إلى رذائل، وذلك كمن يتعلم الحكمة لمجاراة العلماء ولمماراة السفهاء، أو كمن يمارس الشجاعة للصيت أو الغنيمة(2)، ومناط ذلك كله هو النية التي تصحب الفعل، لأن هذه الثلاث إنما تكون فضائل إذا لم يشبها غرض وصدرت بلا روية(3).
أقسام النفس الإنسانية:
تنقسم النفس الإنسانية - وفقا لأحوالها المختلفة - إلى ثلاثة أقسام، كما ذُكِرَت في القرآن الكريم:
1 - النفس الأمَّارة، وهي التي تميل إلى الطبيعة البدنية وتأمر باللذات والشهوات الحسية واتباع الهوى، وهي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة وهذه النفس هي التي توسوس لصاحبها وتحدثه بالآثام، قال تعالى: {وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}(4)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}(5)، وهي بذلك ـ كما قال ابن تيمية ـ أحد ثلاثة يُستعاذ منها وهي: النفس (الأمارة)، وشياطين الجن، وشياطين الإنسان، ورُوِيَ عن ابن جريج في تفسير قوله تعالى: {مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ}(6)، قال: هما وسواسان، فوسواس من الجنة وهو الخنَّاس، ووسواس من نفس الإنسان(7).
__________
(1) الأخلاق لعضد الدين الإيجي، ص 29 – 31.
(2) السابق، ص 32 – 33.
(3) السابق، ص 34.
(4) يوسف/53.
(5) ق/16.
(6) الناس/6.
(7) هناك تفسيرات أخرى للآية، وقد رجَّح العلاَّمة ابن تيمية هذا التفسير، انظر الفتاوى 17/512 وما بعدها.

(1/17)


2 - النفس اللَّوَّامة، وهي تلك التي تنورت بنور القلب عن سِنَةِ الغفلة، وكلما صدرت عنها سيئة بحكم جبلتها أخذت في اللوم والتعنيف، وحالت دون التمادي في العصيان، والتي تلومه كذلك على عدم الاستكثار في الخير، قال تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}(1).
3 - النفس المطمئنة، وهي التي تمَّ تنويرها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة، وهي تلك النفس التي تعتبر الحوادث الحياتية - خيرها وشرها - ابتلاء ومحنة، وهي تلك النموذج الذي يسعى إليه الإنسان المسلم، وهي التعبير الصادق عن تلك الحالة التي لا يعرف فيها الفرد أمراض الشبهة والشك والشهوة والبغي وهي النموذج الأكمل للصحة النفسية التي تؤدي إلى الحياة الطيبة في الدنيا(2) وإلى الفوز والنعيم المقيم في الآخرة، قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}(3).
صفات النفس الإنسانية:
__________
(1) القيامة/1 - 2.
(2) بتصرف واختصار عن: التعريفات للجرجاني ص 204، والتوقيف للمناوي ص328، والصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة وكمال مرسي ص 18.
(3) الفجر/27 - 30.

(1/18)


إذا كان بعض العلماء قد تحدثوا عن أقسام للنفس الإنسانية، فإن ابن القيم في كتابه النادر (الروح) قد تحدث عن صفات لهذه النفس، وقد ناقش هذه المسألة باستفاضة عندما قال: لقد وقع في كلام كثير من الناس أن لابن آدم ثلاث أنفس، نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة، وأن منهم من تغلب عليه هذه ومنهم من تغلب عليه الأخرى، ويحتجون على ذلك بقوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة} وبقوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة} وبقوله تعالى: {إن النفس لأمَّارة بالسوء} والتحقيق أنها نفس واحدة ولكن لها صفات فتسمَّى باعتبار كل صفة باسم فتُسمَّى مطمئنة باعتبار طمأنينتها إلى ربها بعبوديته ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به والسكون إليه. فإن من سمة محبته وخوفه ورجائه قطع النظر عن محبة غيره وخوفه ورجائه، فيستغنى بمحبته عن حب ما سواه وبذكره عن ذكر ما سواه وبالشوق إليه وإلى لقائه عن الشوق إلى ما سواه، فالطمأنينة إلى الله سبحانه حقيقة ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه حتى كأنه جالس بين يديه يسمع به ويبصر به ويتحرَّك به ويبطش به، فتسري تلك الطمأنينة في نفسه وقلبه ومفاصله وقواه الظاهرة والباطنة تجذب روحه إلى الله، ويلين جلده وقلبه ومفاصله إلى خدمته والتقرُّب إليه، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلاَّ بالله وبذكره وهو كلامه الذي أنزله على رسوله كما قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} فإن طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه، وهذا لا يتأتَّى بشيء سوى الله تعالى وذكره البتة، وأما ما عداه فالطمأنينة إليه غرور والثقة به عجز قضى الله سبحانه وتعالى قضاء لا مرد له أن من اطمأن إلى شيء سواه أتاه القلق والانزعاج والاضطراب من جهته كائنًا من كان، بل لو اطمأن العبد إلى علمه وحاله وعمله سُلِبَ ذَلِك كله،

(1/19)


وقد جعل سبحانه أغراض نفوس المطمئنين إلى سواه محبطة بسهام البلاء ليعلم عباده وأولياؤه أن المتعلق بغيره مقطوع والمطمئن إلى سواه عن مصالحه ومقاصده مصدود وممنوع(1). ثم تحدث - رحمه الله تعالى - عن هذه الصفات المختلفة للنفس وهي:
أولاً: النفس المطمئنة (حقيقة الطمأنينة وعلامتها) :
حقيقة الطمأنينة التي تصير بها النفس مطمئنة هي أن تطمئن في باب معرفة أسماء الله وصفاته ونعوت كماله إلى خبره الذي أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله فتتلقاه بالقبول، والتسليم، والإذعان، والدعاء، وانشراح الصدر له، وفرح القلب به، فإنه مُعَرَّفٌ من معرفات الرب سبحانه إلى عبده على لسان رسوله، فلا يزال القلب في أعظم القلق والاضطراب في هذا الباب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب تعالى وصفاته وتوحيده وعلوه على عرشه، وتكلمه بالوحي بشاشة قلبه، فينزل ذلك عليه نزول الماء الزلال على القلب الملتهب بالعطش، فيطمئن إليه، ويسكن إليه، ويفرح به ويلين له قلبه ومفاصله حتى كأنه شاهد الأمر كما أخبرت به الرسل، بل يصير ذلك لقلبه بمنزلة رؤية الشمس في الظهيرة لعينه، فلو خالفه في ذلك من بين شرق الأرض وغربها لم يلتفت إلى خلافهم، وقال إذا استوحش من الغربة قد كان الصِّديقُ الأكبر(2) مطمئنًا بالإيمان وحده وجميع أهل الأرض يخالفه وما نقص ذلك من طمأنينته شيئًا فهذا أول درجات الطمأنينة، ثم لا يزال يقوى كلما سمع بآية متضمنة لصفة من صفات ربه، وهذا أمر لا نهاية له فهذه الطمأنينة أصل أصول الإيمان التي قام عليه بناؤه، ثم يطمئن إلى خبره عما بعد الموت من أمور البرزخ وما بعدها من أحوال القيامة حتى كأنه يشاهد ذلك كله عيانًا، وهذا حقيقة اليقين الذي وصف به سبحانه وتعالى أهل الإيمان حيث قال: {وبالآخرة هم يوقنون} فلا يحصل
__________
(1) الروح لابن القيم، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ ­ 1983م ، ص 198 – 210 (بتصرف يسير).
(2) المراد به سيدنا رسول الله
j .

(1/20)


الإيمان بالآخرة حتى يطمئن القلب إلى ما أخبر الله سبحانه به عنها طمأنينته إلى الأمور التي لا يشك فيها ولا يرتاب، فهذا هو المؤمن حقًا باليوم الآخر كما في حديث حارثة: أصبحت مؤمنًا فقال رسول الله J: (إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟) قال: عزفت نفسي عن الدنيا وأهلها وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها وأهل النار يعذبون فيها، فقال J: (عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ قَلْبَه).
والطمأنينة إلى أسماء الرب تعالى وصفاته نوعان: طمأنينة إلى الإيمان بها وإثباتها واعتقادها، وطمأنينة إلى ما تقتضيه وتوجبه من آثار العبودية، مثاله الطمأنينة إلى القدر وإثباته، والإيمان به يقتضي الطمأنينة إلى مواضع الأقدار التي لم يؤمر العبد بدفعها ولا قدرة له على دفعها فيسلم لها ويرضى بها ولا يسخط ولا يشكو ولا يضطرب إيمانه فلا يأسى على ما فاته ولا يفرح بما أتاه لأن المصيبة فيه مقدرة قبل أن تصل إليه وقبل أن يخلق كما قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاَّ في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} وقال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلاَّ بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} قال غير واحد من السلف: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، فهذه طمأنينة إلى أحكام الصفات وموجباتها وآثارها في العالم وهي قدر زائد على الطمأنينة بمجرد العلم بها واعتقادها، وكذلك سائر الصفات وآثارها ومتعلقاتها كالسمع والبصر والعلم والرضا والغضب والمحبة، فهذه طمأنينة الإيمان(1).
__________
(1) انظر صفة الطمأنينة بالموسوعة.

(1/21)


وأما طمأنينة الإحسان فهي الطمأنينة إلى أمره امتثالاً وإخلاصًا ونصحًا فلا يقدم على أمره إرادة ولا هوى ولا تقليدًا فلا يساكن شبهة تعارض خبره ولا شهوة تعارض أمره بل إذا مرت به أنزلها منزلة الوساوس التي لأَن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يجدها، فهذا كما قال النبي Jصريح الإيمان، وعلامة هذه الطمأنينة أن يطمئن من قَلَقِ المعصية وانزعاجها إلى سكون التوبة وحلاوتها وفرحتها ويسهل عليه ذلك أن يعلم أن اللذة والحلاوة والفرحة في الظفر بالتوبة، وهذا أمر لا يعرفه إلاَّ من ذاق الأمرين وباشر قلبه آثارهما فللتوبة طمأنينة تقابل ما في المعصية من الانزعاج والقلق ولو فتش العاصي عن قلبه لوجد حشوه المخاوف والانزعاج والقلق والاضطراب وإنما يواري عنه شهود ذلك سُكْر الغفلة والشهوة فإن لكل شهوة سكرًا يزيد على سكر الخمر، وكذلك الغضب له سكر أعظم من سكر الشراب، ولهذا ترى العاشق والغضبان يفعل ما لا يفعله شارب الخمر، وكذلك يطمئن من قَلَقِ الغفلة والإعراض إلى سكون الإقبال على الله وحلاوة ذكره وتعلُّق الروح بحبه ومعرفته فلا طمأنينة للروح بدون هذا أبدًا(1).
النفس المطمئنة وفرح القلب:
__________
(1) الروح لابن القيم، ص 200.

(1/22)


الفرق بين فرح القلب وفرح النفس ظاهر فإن الفرح بالله ومعرفته ومحبته وكلامه من القلب قال تعالى: {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك} فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي فأولياء الله وأتباع رسوله أحق بالفرح به وقال تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانًا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون} وقال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} قال أبو سعيد الخدري: فضل الله: هو القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله(1). وقال هلال بن يساف: فضل الله ورحمته: الإسلام الذي هداكم إليه والقرآن الذي عَلَّمكم وهو خير من الذهب والفضة الذين تجمعون، وقال ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور المفسرين: فضل الله الإسلام ورحمته القرآن، فهذا فرح القلب وهو من الإيمان ويُثاب عليه العبد فإن فرحه به يدل على رضاه به بل بما هو فوق الرضا فالفرح بذلك على قدر محبته فإن الفرح إنما يكون بالظفر بالمحبوب وعلى قدر محبته يفرح بحصوله له فالفرح بالله وأسمائه وصفاته ورسوله وسنته وكلامه محض الإيمان وصفوته لبه وله عبودية عجيبة وأثر في القلب لا يُعَبَّر عنه، فابتهاج القلب وسروره وفرحه بالله وأسمائه وصفاته وكلامه ورسوله ولقائه أفضل ما يعطاه بل هو جل عطاياه، والفرح في الآخرة بالله ولقائه بحسب الفرح به ومحبته في الدنيا، فالفرح بالوصول إلى المحبوب يكون على حسب قوة المحبة وضعفها، فهذا شأن فرح القلب، وله فرح آخر وهو فرحه بما منَّ الله به عليه من معاملته والإخلاص له والتوكل عليه والثقة به وخوفه ورجائه به. وكلما تمكَّن في ذلك قويَ فرحه وابتهاجه، وله فرحة أخرى عظيمة الوقع عجيبة الشأن وهي الفرحة التي تحصل له بالتوبة فإن لها فرحة عجيبة لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة، فلو علم العاصي أن لذة
__________
(1) يشير ­ رحمه الله تعالى­ بذلك إلى تفسير الفضل والرحمة في الآية الكريمة: {قل بفضل الله …}.

(1/23)


التوبة وفرحتها يزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافًا مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية.
وسر هذا الفرح إنما يعلمه من علم سر فرح الرب تعالى بتوبة عبده أشد فرح يُقَدَّر، ولقد ضرب له رسول الله
Jمثلاً ليس في أنواع الفرح في الدنيا أعظم منه وهو فرح رجل قد خرج براحلته التي عليها طعامه وشرابه في سفر ففقدها في أرض دَوِّية مهلكة فاجتهد في طلبها فلم يجدها، فيئس منها وجلس ينتظر الموت حتى إذا طلع البدر رأى في ضوئه راحلته وقد تعلَّق زمامها بشجرة فقال من شدة فرحه: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فالله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته(1).
فلا ينكر إذاً أن يحصل للتائب نصيب وافر من الفرح بالتوبة ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يصل إلى ذلك إلاَّ بعد ترحات ومضض ومحن لا تثبت لها الجبال، فإن صبر لها ظفر بلذة الفرح وإن ضعف عن حملها ولم يصبر لها لم يظفر بشيء، وآخر أمره فوات ما آثره من فرحة المعصية ولذتها فيفوته الأمران ويحصل على ضد اللذة من الألم المركب من وجود المؤذي وفوت المحبوب فالحكم لله العلي الكبير(2).
كمال القلب ونعيمه وسروره (بالطمأنينة) :
__________
(1) انظر صفتي التوبة والفرح في الموسوعة.
(2) الروح لابن القيم، ص 224 - 225 .

(1/24)


وهاهنا سر لطيف يجب التنبيه عليه والتنبه له وهو أن الله سبحانه جعل لكل عضو من أعضاء الإنسان كمالاً إن لم يحصل له فهو في قلق واضطراب وانزعاج بسبب فقد كماله الذي جعل له مثاله كمال العين بالإبصار، وكمال الأذن بالسمع، وكمال اللسان بالنطق، فإذا عدمت هذه الأعضاء القوى التي بها كمالها حصل الألم والنقص بحسب فوات ذلك، وجعل كمال القلب ونعيمه وسروره ولذته وابتهاجه في معرفته سبحانه وإرادته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والشوق إليه والأنس به، فإذا عدم القلب ذلك كان أشد عذابًا واضطرابًا من العين التي فقدت النور والبصر ومن اللسان الذي فقد قوة الكلام والذوق، ولا سبيل له إلى الطمأنينة بوجه من الوجوه ولو نال من الدنيا وأسبابها ومن العلوم ما نال إلا بأن يكون الله وحده هو محبوبه وإلهه ومعبوده وغاية مطلوبه، وأقوال المفسرين في الطمأنينة ترجع إلى ذلك، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : المطمئنة(1): المصدقة، وقال قتادة: هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله، وقال الحسن: المصدقة بما قال الله تعالى، وقال مجاهد: هي النفس التي أيقنت بأن الله ربها، المسلمة لأمره فيما هو فاعل بها، وروى منصور عنه قال: النفس التي أيقنت أن الله ربها، وقال ابن أبي نجيح عنه: النفس المطمئنة المخبتة إلى الله، وقال أيضًا: هي التي أيقنت بلقاء الله فكلام السلف عن المطمئنة يدور على هذين الأصلين (طمأنينة العلم والإيمان) و (طمأنينة الإرادة والعمل).
سجود القلب:
__________
(1) يتحدث هنا عن معنى (المطمئنة) في صفة النفس في قوله تعالى : {يا أيتها النفس المطمئنة} (الفجر/27).

(1/25)


قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب؟ قال: نعم يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء، فهذا سجود القلب(1).
فقلب لا تباشره هذه الكسرة فهو غير ساجد السجود المراد منه، وإذا سجد القلب لله - هذه السجدة العظمى - سجدت معه جميع الجوارح، وعنا الوجهُ حينئذٍ للحي القيوم، وخشع الصوت والجوارح كلها، وذل العبد وخضع واستكان، ووضع خده على عتبة العبودية، ناظرًا بقلبه إلى ربه ووليه نظر الذليل إلى العزيز الرحيم، فلا يُرَى إلاَّ متملقًا لربه، خاضعًا له، ذليلاً مستعطفًا له، يسأله عطفه ورحمته(2)،(3).
اليقظة أول مفاتيح الخير وهي - منشأ الطمأنينة - :
__________
(1) وقد عرف رسول الله
Jالإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فمن كان في قلبه يقين بهذا الأمر وسجد سجدة خشوع لا يرفع رأسه أبدًا من الورع والتقوى وكمال الخضوع لله عز وجل.
(2) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ابن قيم الجوزية، الجزء الأول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1408هـ ­ 1988م ، ص 462 .
(3) وفي الحديث: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه) ومن وصل إلى هذه الدرجات العلى من درجات الإيمان والإحسان واليقين لا بد وأن يسجد قلبه سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء.

(1/26)


إذا اطمأنت النفس من الشك إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الخيانة إلى التوبة، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن العجز إلى الكيس، ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات ومن التيه إلى التواضع، ومن الفتور إلى العمل فقد باشرت روح الطمأنينة(1)، وأصل هذا كله ومنشؤه من اليقظة فهي أول مفاتيح الخير لأن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالاً منه؟ فإن العاقل يعلم وعد الله ووعيده وما تقتضيه أوامر الرب تعالى ونواهيه وأحكامه من الحقوق، لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك ويقعده عن الاستدراك سِنَةُ القلب(2). وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده، وركد وأخلد إلى نوازع الشهوات فاشتد إخلاده وركوده، وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات ومخالطة أهل البطالات، ورضي بالتشبه (بأهل إضاعة الأوقات)، فهو في رقاده مع النائمين، وفي سكرته مع المخمورين، فمتى انكشف عن قلبه سنة هذه الغفلة بزجرة من زواجر الحق في قلبه استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن، أو بِهِمَّة عالية أثارها معول الفكر في المحل القابل فضرب بمعول فكره وكبر تكبيرة أضاءت له منها قصور الجنة فقال:
ألا يا نفس ويحك ساعديني…… بسعي منك في ظلم الليالي
……لعلك في القيامة أن تفوزي…… بطيب العيش في تلك العلالي
اليقظة أول منازل النفس المطمئنة:
__________
(1) انظر تفاصيل هذه الصفات وصفة اليقظة بالموسوعة.
(2) ذلك هو الذي (يعلم) ما هو الحلال وما هو الحرام ولكنه والعياذ بالله لا يمتثل لأن (قلبه غافل) فما هو السبيل لإيقاظ القلب ؟!

(1/27)


تثير اليقظة نورًا يرى المؤمن في ضوئه ما خُلِق له، وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ويرى سرعة انقضاء الدنيا وعدم وفائها لبنيها وقتلها لعشاقها وفعلها بهم أنواع الَمثُلاَت فينهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلاً (يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) فيستقبل بقية عمره التي لا قيمة لها مستدركًا بها ما فات، محييًا بها ما أمات، مستقبلاً بها ما تقدم له من العثرات، منتهزًا فرصة الإمكان التي إن فاتته فاته جميع الخيرات.
ثم يلحظ في نور تلك اليقظة وفور نعمة ربه عليه من حين استقر في الرحم إلى وقته وهو يتقلَّب فيها ظاهرًا وباطنًا ليلاً ونهارًا ويقظة ومنامًا سرًا وعلانية فلو اجتهد في إحصاء أنواعها لما قدر، ويكفي أن أدناها نعمة النفس ولله عليه في كل يوم أربعة وعشرون ألف نعمة فما ظنك بغيرها.
ثم يرى في ضوء ذلك النور أنه آيس من حصرها وإحصائها عاجز عن أداء حقها وأن المُنْعِم بها إن طالبه بحقوقها استوعب جميع أعماله حق نعمة واحدة منها فيتيقن حينئذٍ أنه لا مطمع له في النجاة إلاَّ بعفو الله ورحمته وفضله.

(1/28)


ثم يرى في ضوء تلك اليقظة أنه لو عمل أعمال الثقلين من البر لاحتقرها بالنسبة إلى جنب عظمة الرب تعالى وما يستحقه بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هذا لو كانت أعماله منه فكيف وهي مجرَّد فضل الله ومنَّته وإحسانه حيث يسَّرها له وأعانه عليها وهيأه لها وشاءها منه، ولو لم يفعل ذلك لم يكن له سبيل إليها، فحينئذٍ لا يرى أعماله منه، وأن الله سبحانه لن يقبل عملاً يراه صاحبه من نفسه حتى يرى عين توفيق الله له وفضله عليه وأنه من الله لا من نفسه، وأنه ليس له من نفسه إلاَّ الشر وأسبابه، وما به من نعمة فمن الله وحده، صدقة تصدق بها عليه وفضلاً منه ساقه إليه من غير أن يستحقه بسبب ويسأله بوسيلة، فيرى ربه ووليه ومعبوده أهلاً لكل خير ويرى نفسه أهلاً لكل شر، وهذا أساس جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، وهو الذي يرفعها ويجعلها في ديوان أصحاب اليمين.
ثم يبرق له في نور اليقظة بارقة أخرى يرى في ضوئها عيوب نفسه وآفات عمله وما تقدم له من الجنايات والإساءات وهتك الحرمات والتقاعد عن كثير من الحقوق والواجبات، فإذا انضم ذلك إلى شهود نعم الله عليه وأياديه لديه رأى أن حق المنعِمِ عليه في نعمه وأوامره لم يبق له حسنة واحدة يرفع بها رأسه فيطمئن قلبه وتنكسر نفسه وتخشع جوارحه ويسير إلى الله تعالى ناكس الرأس بين مشاهدة نعمه ومطالعة جناياته وعيوب نفسه وآفات عمله قائلاً أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلاَّ أنت، فلا يرى لنفسه حسنة ولا يراها أهلاً لخير فيوجب له أمرين عظيمين.
أحدهما استكثار ما منَّ الله عليه.
والثاني استقلال ما قدمه من الطاعة كائنة ما كانت، ثم تبرق له بارقة أخرى يرى في ضوئها عزة وقته وخطره وشرفه وأنه رأس مال سعادته فيبخل به أن يضيعه فيما يقربه إلى ربه فإن في إضاعته الخسران والحسرة والندامة وفي حفظه وعمارته الربح والسعادة فيشح بأنفاسه أن يضيعها فيما لا ينفعه يوم معاده.

(1/29)


ثم يلحظ في ضوء تلك البارقة ما تقتضيه يقظته من سنة غفلته من التوبة والمحاسبة والمراقبة والغيرة لربه أن يؤثر عليه غيره، وعلى حظه من رضاه وقربه وكرامته ببيعه بثمن بخس في دار سريعة الزوال وعلى نفسه أن يملك رقها لمعشوق أو فكر في منتهى حسنه ورأى آخره بعين بصيرة لأنف لها من محبته.
فهذا كله من آثار اليقظة وموجباتها وهي أول منازل النفس المطمئنة التي نشأ منها سفرها إلى الله والدار الآخرة.
ثانيًا: النفس اللوامة:
وأما النفس اللوامة وهي التي أقسم بها سبحانه في قوله: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} فاختلف فيها فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حال واحدة، أخذوا اللفظة من التلوّم وهو التردد فهي كثيرة التقلب والتلون وهي من أعظم آيات الله فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلب وتتلون في الساعة الواحدة فضلاً عن اليوم والشهر والعام والعمر ألوانًا متلونة فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصى، وتتقي وتفجر، إلى أضعاف أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها فهي تتلون كل وقت ألوانًا كثيرة فهذا قول.
وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللَّوم ثم اختلفوا فقالت فرقة هي نفس المؤمن وهذا من صفاتها المجردة، قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا يقول ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولى أو نحو هذا الكلام.
وقال غيره: هي نفس المؤمن توقعه في الذنب ثم تلومه عليه فهذا اللوم من الإيمان بخلاف الشقي فإنه لا يلوم نفسه على ذنب بل يلومها وتلومه على فواته.
وقالت طائفة بل هذا اللوم للنوعين فإن كل أحد يلوم نفسه برًا كان أو فاجرًا فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته والشقي لا يلومها إلاَّ على فوات حظها وهواها.
وقالت فرقة أخرى هذا اللوم يوم القيامة فإن كل أحد يلوم نفسه إن كان مسيئًا على إساءته وإن كان محسنًا على تقصيره.

(1/30)


وهذه الأقوال كلها حق، ولا تنافى بينها، فإن النفس موصوفة بهذا كله وباعتباره سميت لوامة، ولكن اللوامة نوعان: لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته.
ولوامة غير ملومة، وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده فهذه غير ملومة، وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله واحتملت ملام اللائمين في مرضاته فلا تأخذها فيه لومة لائم فهذه قد تخلصت من لوم الله، وأما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها، فهي التي يلومها الله عز وجل(1).
ثالثًا: النفس الأمارة:
وأما النفس الأمارة فهي المذمومة لأنها التي تأمر بكل سوء وهذا من طبيعتها إلاَّ ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلاَّ بتوفيق الله له كما قال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمَّارة بالسوء إلاَّ ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} وقال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدًا} وقال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحبهم إليه: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلاً} وكان النبي
Jيعلمهم خطبة الحاجة: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له) فالشر كامن في النفس وهو يوجب سيئات الأعمال فإن خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال، وإن وفقه وأعانه نجاه من ذلك كله.
قرين النفس المطمئنة:
__________
(1) باختصار وتصرف يسير عن (الروح لابن القيم) ص203 ، 204 .

(1/31)


وبعد أن تحدث - رحمه الله تعالى - عن صفات النفس الثلاث، تناول دور كل من الملك والشيطان في تأييد كل من النفس المطمئنة والنفس الأمارة فقال: امتحن الله سبحانه الإنسان بهاتين النفسين الأمارة واللوامة كما أكرمه بالمطمئنة، فهي إذًا نفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة ثم مطمئنة وهي غاية كمالها وصلاحها، وأيَّد المطمئنة بجنود عديدة فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه، ويريها حُسن صورته، ويزجرها عن الباطل ويزهدها فيه، ويريها قبح صورته، وأمدها بما علمها من القرآن والأذكار وأعمال البر، وجعل وفود الخيرات ومداد التوفيق تنتابها وتصل إليها من كل ناحية، وكلما تلقتها بالقبول والشكر والحمد لله ورؤية أوليته في ذلك كله، ازداد مددها فتقوى على محاربة الأمارة، فمن جندها وهو سلطان عساكرها وملكها الإيمان واليقين، فالجيوش الإسلامية كلها تحت لوائه ناظرة إليه، إن ثبت ثبتت وإن انهزم ولَّت على أدبارها، ثم أمراء هذا الجيش ومقدمو عساكره شعب الإيمان (الظاهرة) المتعلقة بالجوارح على اختلاف أنواعها كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصيحة الخلق والإحسان إليهم بأنواع الإحسان، وشعبه الباطنة المتعلقة بالقلب كالإخلاص والتوكل والإنابة والتوبة والمراقبة والصبر والحلم والتواضع والمسكنة، وامتلاء القلب من محبة الله ورسوله، وتعظيم أوامر الله وحقوقه، والغيرة لله وفي الله، والشجاعة والعفة والصدق والشفقة والرحمة، وملاك ذلك كله الإخلاص والصدق، فلا يتعب الصادق المخلص لأنه قد أقيم على الصراط المستقيم فيسار به وهو راقد، أما من حرم الصدق والإخلاص فقد قطعت عليه الطريق، واستهوته الشياطين في الأرض حيران، فإن شاء فليعمل وإن شاء فليترك، فلا يزيده عمله من الله إلاَّ بُعدًا، وبالجملة فما كان لله وبالله فهو من جند النفس المطمئنة(1)
__________
(1) باختصار وتصرف يسير عن كتاب (الروح لابن القيم) ص 204 .

(1/32)


.
قرين النفس الأمارة:
وأما النفس الأمارة فَجُعِل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها فهو يعدها ويمنيها ويقذف فيها الباطل ويأمرها بالسوء ويزيّنه لها ويطيل في الأمل ويريها الباطل في صورة تقبلها وتستحسنها ويمدها بأنواع الإمداد الباطل من الأماني الكاذبة والشهوات المهلكة، ويستعين عليها بهواها وإرادتها، فمنه يدخل عليها كل مكروه فما على النفوس بشيء هو أبلغ من هواها وإرادتها إليه وقد علم ذلك إخوانه من شياطين الإنس فلا يستعينون على الصورة الممنوعة منهم بشيء أبلغ من هواهم وإرادتهم، فإذا أعيتهم صورة طلبوا بجهدهم ما تحبه وتهواه ثم طلبوا بجدهم تحصيله، فاصطادوا تلك الصورة فإذا فتحت لهم النفس باب الهوى دخلوا منه فجاسوا خلال الديار فعاثوا وأفسدوا وفتكوا وسبوا، وفعلوا ما يفعله العدو ببلاد عدوه إذا تحكم فيها فهدموا معالم الإيمان والقرآن والذكر والصلاة وخربوا المساجد وعمروا البيع والكنائس والحانات والمواخير، وقصدوا إلى الملك فأسروه وسلبوه ملكه ونقلوه من عبادة الرحمن إلى عبادة البغايا والأوثان ومن عز الطاعة إلى ذل المعصية، ومن السماع الرحماني إلى السماع الشيطاني ومن الاستعداد للقاء رب العالمين إلى الاستعداد للقاء إخوان الشياطين فبينا هو يراعي حقوق الله وما أمره به إذ صار يرعى الخنازير، وبينا هو منتصب لخدمة العزيز الرحيم إذ صار منتصبًا لخدمة كل شيطان رجيم.

(1/33)


والمقصود أن الملك قرين النفس المطمئنة والشيطان قرين الأمارة، وقد روى أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة عن عبدالله قال: قال رسول الله J: (إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الآخر فليتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم. ثم قرأ {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم الفحشاء}) وقد رواه عمرو عن عطاء بن السائب وزاد فيه عمرو قال: سمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئًا فليحمد الله وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئًا فليستغفر الله وليتعوَّذ من الشيطان(1).
مقتضيات النفس المطمئنة والنفس الأمارة:
__________
(1) كتاب الروح لابن القيم، ص205 ، 206 (باختصار وتصرف يسير).

(1/34)


النفس المطمئنة والملك وجنده من الإيمان يقتضيان من النفس المطمئنة التوحيد والإحسان والبر والتقوى والصبر والتوكل والتوبة والإنابة والإقبال على الله وقصر الأمل(1) والاستعداد للموت وما بعده، والشيطان وجنده يقتضيان من النفس الأمارة ضد ذلك، وقد سلط الله سبحانه الشيطان على كل ما ليس له ولم يُرَد به وجهه ولا هو طاعة له، وجعل ذلك إقطاعه فهو يستحث النفس الأمارة على هذا العمل والإقطاع ويتقاضى أن تأخذ الأعمال من النفس المطمئنة فتجعلها قوة لها فهي أحرص شيء على تخليص الأعمال كلها وأن تصير من حظوظها، فأصعب شيء على النفس المطمئنة تخليص الأعمال من الشيطان ومن الأمارة وتجعلها لله فلو وصل منها عمل واحد كما ينبغي لنجا به العبد ولكن أبت الأمارة والشيطان أن يدعا لها عملاً واحدًا يصل إلى الله كما قال بعض العارفين بالله وبنفسه: والله لو أعلم أن لي عملاً واحدًا وصل إلى الله لكنت أفرح بالموت من الغائب يقدم على أهله، وقال عبدالله بن عمر: لو أعلم أن الله تقبَّل مني سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إليَّ من الموت (إنما يتقبَّل الله من المتقين)(2).
صراع النفس الأمارة مع النفس المطمئنة:
__________
(1) انظر تفاصيل هذه الصفات بالموسوعة.
(2) كتاب الروح لابن القيم، ص206 .

(1/35)


وقد انتصبت الأمارة في مقابلة المطمئنة فكل ما جاءت به تلك من خير ضاهتها هذه وجاءت من الشر بما يقابله حتى تفسده عليها فإذا جاءت المطمئنة بالإيمان والتوحيد جاءت هذه بما يقدح في الإيمان من الشك والنفاق وما يقدح في التوحيد من الشرك ومحبة غير الله وخوفه ورجائه، ولا ترضى حتى تقدم محبة غيره وخوفه ورجائه على محبته سبحانه وخوفه ورجائه، فيكون ما له عندها هو المؤخر وما للخلق هو المقدم، وهذا حال أكثر هذا الخلق، وإذا جاءت تلك بتجريد المتابعة للرسول جاءت هذه بتحكيم آراء الرجال وأقوالهم على الوحي، وأتت من الشبه المضلة بما يمنعها من كمال المتابعة وتحكيم السنة وعدم الالتفات إلى آراء الرجال، فتقوم الحرب بين هاتين النفسين والمنصور من نصره الله، وإذا جاءت تلك بالإخلاص والصدق والتوكل والإنابة والمراقبة جاءت هذه بأضدادها وأخرجتها في عدة قوالب وتقسم بالله ما مرادها إلاَّ الإحسان والتوفيق، والله يعلم أنها كاذبة وما مرادها إلاَّ مجرَّدُ حظِّها واتّباع هواها والتفلتِ من سجن المتابعة والتحكيم المحض للسنة إلى قضاء إرادتها وشهوتها وحظوظها، ولعمرو الله ما تخلصت إلاَّ من فضاء المتابعة والتسليم إلاَّ إلى سجن الهوى والإرادة وضيقه وظلمته ووحشته فهي مسجونة في هذا العالم وفي البرزخ في أضيق منه، وفي يوم الميعاد في أضيق منهما.
خصائص وعجائب النفس الأمارة:

(1/36)


ومن أعجب أمرها أنها تسحر العقل والقلب فتأتي إلى أشرف الأشياء وأفضلها وأجلَّها فتخرجه في صورة مذمومة، وأكثر الخلق صبيان العقول أطفال الأحلام لم يصلوا إلى حد الفطام الأول عن العوائد والمألوفات فضلاً عن البلوغ الذي يميّز به العاقل البالغ بين الخير فيؤثره والشر فيتجنَّبه، فتريه صورة تجريد التوحيد التي هي أبهى من صورة الشمس والقمر في صورة التنقيص المذموم، وتريه هضم العظماء منازلهم وحطهم منها إلى مرتبة العبودية المحضة والمسكنة والذل والفقر المحض الذي لا ملك لهم معه ولا إرادة ولا شفاعة إلاَّ من بعد إذن الله، تريهم النفس السحارة (الأمارة) هذا القدر غاية تنقيصهم وهضمهم ونزول أقدارهم وعدم تمييزهم عن المساكين الفقراء فتنفر نفوسهم من تجريد التوحيد أشد النفار ويقولون: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب} وتريهم تجريد المتابعة للرسول وما جاء به، وتقديمه على آراء الرجال في صورة تنقيص العلماء والرغبة عن أقوالهم وما فهموه عن الله ورسوله، وأن هذا إساءة أدب عليهم وَتَقدُّم بين أيديهم وهو مفض إلى إساءة الظن بهم وأنهم قد فاتهم الصواب، وكيف لنا قوة أن نرد عليهم ونفوز ونحظى بالصواب دونهم؟ فتنفر من ذلك أشد النفار وتجعل كلامهم هو الحكم الواجب الاتباع وكلام الرسول هو المتشابه الذي يعرض على أقوالهم، فما وافقها قبلناه وما خالفها رددناه أو أولناه وتُقْسِم النفس السحارة بالله إن أردنا إلاَّ إحسانًا وتوفيقًا أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم.
وتريه صورة الإخلاص في صورة ينفر منها وهي الخروج عن حكم العقل المعيشي والمداراة والمداهنة التي بها اندراج حال صاحبها ومشبه بين الناس فمتى أخلص أعماله ولم يعمل لأحد شيئًا تجنبهم وتجنبوه وأبغضهم وأبغضوه وعاداهم وعادوه وسار على جادة فينفر من ذلك أشد النفار وغايته أن يخلص في القدر اليسير من أعماله التي لا تتعلق بهم وسائر أعماله لغير الله.

(1/37)


وتريه صورة الصدق مع الله وجهاد من خرج عن دينه وأمره في قالب الانتصاب لعداوة الخلق وأذاهم وحربهم، وأنه يعرض نفسه لما لا يطيق من البلاء وأنه يصير غرضًا لسهام الطاعنين، وأمثال ذلك من الشبه التي تقيمها النفس السحارة والخيالات التي تخيلها، وتريه حقيقة الجهاد في صورة تقتل فيها النفس وتنكح المرأة ويصير الأولاد يتامى ويقسم المال، وتريه حقيقة الزكاة والصدقة في صورة مفارقة المال ونقصه وخلو اليد منه واحتياجه إلى الناس ومساواته للفقير وعوده بمنزلته، وتريه حقيقة إثبات صفات الكمال لله في صورة التشبيه والتمثيل فينفر من التصديق بها ويَنفِّر غيره، وتريه حقيقة التعطيل والإلحاد فيها صورة التنزيه والتعظيم.

(1/38)


وأعجب من ذلك أنها تضاهي ما يحبه الله ورسوله من الصفات والأخلاق والأفعال بما يبغضه منها، وتلبس على العبد أحد الأمرين بالآخر، ولا يخلص من هذا إلاَّ أرباب البصائر، فإن الأفعال تصدر عن الإرادات وتظهر على الأركان من النفسين الأمارة والمطمئنة فيتباين الفعلان في البطلان ويتشابهان في الظاهر، ولذلك أمثلة كثيرة منها المداراة والمداهنة فالأول من المطمئنة والثاني من الأمارة، وخشوع الإيمان وخشوع النفاق، وشرف النفس والتيه والحمية والجفاء، والتواضع والمهانة، والقوة في أمر الله والعلو في الأرض والحمية لله والغضب له، والحمية للنفس والغضب لها، والجود والسرف، والمهابة والكبر، والصيانة والتكبر، والشجاعة والجرأة، والحزم والجبن، والاقتصاد والشح، والاحتراز وسوء الظن، والفراسة والظن، والنصيحة والغيبة، والهدية والرشوة، والصبر والقسوة، والعفو والذل، وسلامة القلب والبله والغفلة، والثقة والغرة، والرجاء والتمني، والتحدث بنعم الله والفخر بها، وفرح القلب وفرح النفس، ورقة القلب والجزع، والموجدة والحقد، والمنافسة والحسد، وحب الرياسة وحب الإمامة والدعوة إلى الله، والحب لله والحب مع الله، والتوكل والعجز، والاحتياط والوسوسة، وإلهام الملك وإلهام الشيطان، والأناة والتسويف، والاقتصاد والتقصير، والاجتهاد والغلو، والنصيحة والتأنيب، والمبادرة والعجلة، والإخبار بالحال عند الحاجة والشكوى.

(1/39)


فالشيء الوحيد تكون صورته واحدة وهو منقسم إلى محمود ومذموم، كالفرح والحزن، والأسف والغضب، والغيرة والخيلاء، والطمع والتجمل، والخشوع، والحسد والغبطة، والجرأة والتحسر، والحرص والتنافس، وإظهار النعمة، والحلف، والمسكنة، والصمت والزهد، والورع والتخلي، والعزلة والأنفة، والحمية والغيبة، وفي الحديث أن من الغيرة ما يحبها الله ومنها ما يكرهه فالغيرة التي يحبها الله الغيرة في الريبة، والتي يكرهها الغيرة في غير ريبة(1)، وأن من الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما يكرهه، فالتي يحب الخيلاء في الحرب. وفي الصحيح أيضًا لا حسد إلاَّ في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطة على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها. وفي الصحيح أيضًا أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف(2). وفيه أيضًا من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير فالرفق شيء والتواني والكسل شيء فإن المتواني يتثاقل عن مصلحته بعد إمكانها فيتقاعد عنها، والرفيق يتلطف في تحصيلها بحسب الإمكان مع المطاوعة. وكذلك المداراة صفة مدح والمداهنة صفة ذم، والفرق بينهما أن المداري يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق أو يرده عن الباطل، والمداهن يتلطف به ليقره على باطله ويتركه على هواه فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق، وقد ضرب لذلك مثل مطابق وهو حال رجل به قرحة قد آلمته فجاءه الطبيب المداوي الرفيق فتعرف حالها ثم أخذ في تليينها حتى إذا نضجت أخذ في بطها (شقها) برفق وسهولة، حتى أخرج ما فيها، ثم وضع على مكانها من الدواء والمرهم ما يمنع فساد الجرح ويقطع مادته، ثم تابع عليها بالمراهم التي تنبت اللحم ثم يذر عليها بعد نبات اللحم ما ينشف رطوبتها ثم يشد عليها الرباط، ولم يزل يتابع ذلك حتى صلحت، والمداهن قال لصاحبها لا بأس
__________
(1) انظر صفة الغيرة .
(2) انظر صفتي : الحسد والرفق وقد خرَّجنا هذه الأحاديث في مظانها في هذه الصفات.

(1/40)


عليك منها، وهذه لا شيء فاسترها عن العيوب بخرقة ثم اله عنها، فلا تزال مدتها تقوى وتستحكم حتى عظم فسادها، وهذا المثل أيضًا مطابق كل المطابقة لحال النفس الأمارة مع المطمئنة فتأمله، فإذا كانت هذه حال قرحة بقدر الحمصة، فكيف بسقم هاج من نفس أمارة بالسوء، هي معدن الشهوات ومأوى كل فسق وقد قارنها شيطان في غاية المكر والخداع يعدها ويمنيها ويسحرها بجميع أنواع السحر حتى يخيل إليها النافع ضارًا والضار نافعًا والحسن قبيحًا والقبيح جميلاً، وهذا لعمرو الله من أعظم أنواع السحر ولهذا يقول سبحانه {فأنَّى تسحرون} والذي نسبوا إليه الرسل من كونهم مسحورين هو الذي أصابهم بعينه، وهم أهله لا رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما أنهم نسبوهم إلى الضلال والفساد في الأرض والجنون والسفه وما استعاذت الأنبياء والرسل وأمراء الأمم بالاستعاذة من شر النفس الأمَّارة وصاحبها وقرينها الشيطان إلاَّ لأنهما أصل كل شر وقاعدته ومنبعه وهما متساعدان عليه متعاونان(1).
فضيلة الاستعاذة من شر النفس الأمارة وقرينها:
__________
(1) الروح لابن القيم، ص 208 ، 209 (بتصرف واختصار يسير).

(1/41)


قال الله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} وقال: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} وقال: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} وقال تعالى: {قل أعوذ برب الفلق…} {قل أعوذ برب الناس …} فهذا استعاذة من قرينها وصاحبها وبئس القرين والصاحب، فأمر الله سبحانه نبيه وأتباعه بالاستعاذة بربوبيته التامة الكاملة من هاتين الخلتين العظيم شأنهما في الشر والفساد، والقلب بين هذين العدوين، لا يزال شرهما يطرقه وينتابه، وأول ما يدب فيه السقم من النفس الأمَّارة من الشهوة وما يتبعها من الحب والحرص والطلب والغضب وما يتبعه من الكبر والحسد والظلم والتسلط يعلم الطبيب الغاش الخائن بمرضه فيعوده ويصف له أنواع للسموم والمؤذيات ويخيل إليه بسحره أن شفاءه فيها، ويتفق ضعف القلب بالمرض وقوة النفس الأمارة والشيطان ويتتابع إمدادهما، ويزينان له أن هذا نقد حاضر ولذة عاجلة، والداعي إليه يدعو من كل ناحية، والهوى ينفذ، والشهوة تهون، والتأسي بالأكثر والتشبه بهم والرضا بأن يصيبه ما أصابهم، فكيف يستجيب مع هذه القواطع وأضعافها لداعي الإيمان ومنادي الجنة إلاَّ من أمده الله بإمداد التوفيق وأيده برحمته وتولى حفظه وحمايته وفتح بصيرة قلبه فرأى سرعة انقطاع الدنيا وزوالها وتقلبها بأهلها وفعلها بهم وأنها في الحياة الدائمة كغمس أصبع في البحر بالنسبة إليه.
اعرف نفسك:
النفس ومراحل الحياة الإنسانية:
لذا إذا تدبرنا معنى كلمة النفس في اللغة العربية لوجدناها مرتبطة بمراحل حياة الإنسان منذ تكوينه ومستقره قبل ولادته، وعند ولادته، وبمراحل حياته المختلفة، ثم بلحظة مماته وبعثه. وهذه السلسلة المترابطة من المعاني لا انفصام لها ولا تتوافر هذه الصلة أو هذا الاتصال في أي لغة أخرى، فالإنسان يُخلَق في رحم أمه (ومن عجائب خلقه) أنه يعيش تسعة أشهر في الرحم بدون أن (يتنفس).

(1/42)


ثم تنفسه أمه: أي تلده، فهي إذًا في حالة النفاس، وتُسمَّى الوالدة نفساء.
والمنفوس هو المولود، وفي الحديث: (ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كُتِبَت شقيَّة أو سعيدة)(1).
وفي اللحظة التي تلده أمه بقدرة القادر سبحانه وتعالى يستمد المنفوس (النفس) ويصبح قادرًا على التنفس، وقالوا: سُميَّت النفس نفسًا لتولُّدِ النفسَ منها واتصاله بها، وكما ترون فإن جميع معاني هذه الكلمات مشتقة من كلمة (نَفْس) .. أي النفس الإنسانية.
ولنتابع هذه التسلسل العجيب وهذه المعاني المترابطة، فما أن تُولَد هذه النفس وتتنفس حتى تصبح نفيسة، وكل شيء له خطر وقدر فهو نفيسٌ، وإذا نَفُسَ الشيء ارتفع قدره وصار مرغوبًا فيه، وقد رفع القرآن الكريم من شأن النفس وأهميتها فقال تعالى: {من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا}(2).
وفي مجال الحياة فلكلمة النفس ومشتقاتها معاني عظيمة منها: النفَّسُ: العظمة والكِبَر، والنَّفْسُ: العزة والهمة، والنفس: عين الشيء وكنهه وجوهره، ويعبر بها عن الإنسان جميعه(3).
بعد ذلك يبدأ مشوار الحياة مع سُنّة الحياة وهي التنافس بين البشر، يقال: تنافسا ذلك الأمر وتنافسا فيه أي تسابقا وتراغبا فيه على وجه المباراة والمنافسة، وفي القرآن الكريم: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}(4)، وفي التنافس والمنافسة لابد من فائز ومهزوم، فيُقال لواحد: أنت في نَفَسٍ من أمرك أي في سعة، وقد قيل: اعمل وأنت في نَفَسٍ من أمرك أي فسحة وسعة قبل الهرم والأمراض والآفات، والتقط أنفاسه: استراح.
__________
(1) مسلم جـ 4 (حديث رقم 2647).
(2) المائدة/32 .
(3) انظر معاني كلمة النفس في اللغة، صفحة (ع) .
(4) المطففين/29.

(1/43)


ويُقال: نَفَّس اللهُ عنه كربته، أي فرَّجها، كما يُقال: اللهم نَفِّس عني، أي فرِّج عني ووسِّع عليَّ، وفي الحديث: (مَنْ سَرَّه أن يُنجِّيَهُ اللهُ من كُرَبِ يوم القيامة فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ، أو يضع عنه)(1).
أما المحروم الذي يرى الفائز فقد يكون في نفسه أثر ورغبة فيحسد ويُقال له النَّفُوس: أي العيون الحسود لأموال الناس ليصيبها، ويُقال أصابت فلان نَفْسٌ، أي عين حاسدة، ويُقال: نَفَس عليك فلان ينفسُ نفسًا ونفاسةً أي حسدك. والنفس: العين، والنافس: العائن، والمعيون: المنفوس. وفي الحديث: (نهى عن الرقية إلاَّ في النملة والخمة والنَّفْس)(2) أي الإصابة بالعين.
هذه هي الأمور التي تحدث في مشوار الحياة، وعند نهاية المطاف يُقال: خرجت نَفْسُ فلان، أي روحه. قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها}(3)، وقال سبحانه: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}(4)، وقال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة}(5)، وعند البعث ولقاء رب العالمين تقول النفس المفرطة: {أن تقول نفسٌ يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}(6).
وتأملوا قول الله عز وجل في وصف النفس الإنسانية أثناء الحياة وبعد الموت: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد * وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد * ونُفِخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}(7).
علاقة النفس الإنسانية بالكون:
__________
(1) مسلم جـ 3 (حديث رقم 1563).
(2) سنن أبي داود كتاب الطب، حديث 3888 .
(3) الزمر/42.
(4) الفجر/27 - 28.
(5) المدثر/38.
(6) الزمر/56.
(7) ق/16 - 22.

(1/44)


إذا أردنا أن نعلم مدى تكريم الله عز وجل لهذه النفس التي اشتقت منها كافة المعاني السالفة الذكر فما علينا إلا أن نسأل أنفسنا كيف يكون وضع هذه الحياة وهذا الكون لو أن الله عز وجل أراد - وهو على كل شيء قدير - أن يخلق هذا الإنسان ويجعله قادرا على العيش على تنفس الهواء فقط بدون الحاجة إلى الطعام أو الشراب، بل يتغذى على تنفس الهواء فقط مثلما كان يعيش في رحم أمه بدون أن يأكل أو يتنفس من رئتيه. ولو عاش الإنسان تحت ظروف هذا الافتراض ماذا سيكون حال الدنيا والكون المحيط به؟ لنتدبر سويا قول الله تعالى: {إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون}(1).
في ظل ظروف هذا العالم الافتراضي نجد أنه لا حاجة لنا إلى غذاء وبالتالي لا حاجة إلى مزارع ولا مصانع غذاء ولا متاجر ولا مطاعم ولا مطابخ ولا … ولا … ، ولا وجدت حاجة لصيد أسماك البحر أو حيوانات البر أو طيور السماء و انقلب مفهوم الحياة رأسا على عقب واختلت موازين العمل واستجلاب المصلحة وانعدمت الحاجة إلى مواسم الزرع والحصاد وهجرة الطيور والأسماك وبالتالي يختل مفهوم الحياة من هنا يتضح لنا بجلاء معنى قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}(2). وعلاقة ذلك كله بدعوة الله عز وجل على لسان جميع الرسل للتأمل والتدبر والتفكر في آياته التي تؤدي إلى معرفة قدرته وعظمته ومن ثم الإيمان به وإخلاص العبادة له، سبحانه وتعالى هو القائل: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيَّن لهم أنه الحق}(3).
__________
(1) الأنعام/ 95 ­ 98 .
(2) القمر/49.
(3) فصلت/53.

(1/45)


إن لنا في رسول الله Jأسوة حسنة في التفكُّر في آلاء الله وتدبُّر نعمه التي لا تُحصى إذا كنا حقًّا من الذين يستعملون عقولهم في تأمُّل الدلائل الكونية، فقد رُوِيَ عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: لما نزلت هذه الآية على النبي Jقام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي، فقال يا رسول الله: أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال: (يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا؟ولقد أنزل الله عليَّ الليلة آية {إنَّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب})، ثم قال: (ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكَّر فيها)(1).
النفس الإنسانية ودورها في المجال الأخلاقي:
__________
(1) رُوِيَ هذا الحديث بطرق مختلفة، وأصله في البخاري ومسلم، وقد أورده المفسرون عند تفسير الآية 19 من سورة آل عمران، انظر تفسير القرطبي 4/310 ، وتفسير ابن كثير 1/417 ، وقد ذكرنا الحديث بتمامه في الموسوعة 4/1070 فلينظر تخريجه هناك .

(1/46)


للنفس الإنسانية دور بارز فيما يتعلَّق بالأخلاق لأنها إما أن تساعد صاحبها على أن يكون من الأخيار وهي النفس المطمئنة، وإما أن تلومه على السيئات فتدفعه إلى التوبة والاستغفار، كما تلومه على عدم الإكثار من الحسنات وهذه هي النفس اللوامة، وإما أن تأمره بالشر وارتكاب المعاصي وتلك هي النفس الأمارة بالسوء، ولهذه المواقف الثلاث تأثير بالغ على تحلي الإنسان بالأخلاق الفاضلة أو الوقوع في براثن الرذيلة والاتصاف بسوء الخُلُق، والتناسب بين هذه الحالات الثلاث تناسب عكسي، فكلما قويت النفس المطمئنة التي ألهمها الله التقوى ضعفت النفس الأمارة بالسوء التي ألهمت الفجور، وبينهما النفس اللوامة(1)، وهي تلك التي تلوم على ما فات، وتندم عليه، فتلوم على الشر لِمَ فعلته؟ وتلوم على الخير لم لا تستكثر منه؟ ومن ثم تكون اللوامة: التي تلوم صاحبها باستمرار وهي بذلك صفة مدح، فإذا كانت كل من النفس المطمئنة والنفس الأمَّارة تقومان بعملية التوجيه، فإن النفس اللوامة تقوم بعملية المراجعة والتقويم انطلاقًا من الفطرة التي تستحسن الخير وتحث عليه، وهنا ندرك لماذا كانت القسمة ثنائية في قوله تعالى: {فأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فجعل للنفس قسمين فقط هما: التقية بأمر ربها، والفاجرة بإذن صاحبها، أما إذا نظرنا إلى طبيعة الإنسان وما منحه الله من عقل يميّز به بين الطيب
__________
(1) اختلف المفسرون اختلافًا كبيرًا في معنى النفس اللوامة، فقيل هي التي تلوم على الخير والشر، ورُوِيَ عن مجاهد أنها التي تندم على ما فات (تفسير ابن كثير 4/477)، وقال القرطبي: هي نفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه، ويقول ما أردت كذا فلا تراه إلا يعاتب نفسه، وقد نقل القرطبي ذلك عن ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم، انظر تفسير القرطبي 19/93، وانظر ما نقلنا آنفا صفحة (ع ح) عن ابن القيم في تفسير معنى اللوامة وتقسيمه لها إلى: لوامة غير ملومة ، ولوامة ملومة.

(1/47)


والخبيث، وبين الحسن والرديء في ضوء الشرع، فقد زود الإنسان بقوة ثالثة تتولى عملية التوازن وتقوم بدور التصحيح، ألا وهي النفس اللوامة: [انظر الكشاف التوضيحي (10- 13أ)، وانظر كذلك خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية].
الدور الأخلاقي للنفس المطمئنة:
أما النفس المطمئنة فإنها تأمر بالخير وتحض عليه، ويكون من نتيجة الالتزام بذلك تخلُّق الإنسان بالأخلاق الطيبة في جميع علاقاته، وفي كل ما يصدر عن قلبه أو جوارحه أو لسانه، ففيما يتعلَّق بعلاقته مع الله ـ عز وجل ـ نجد قلبه يعمر بالإيمان، والرضا، والتوحيد، والتقوى، والرجاء، والخوف، ونجد هذا القلب فيما يتعلق بالإنسان نفسه متصفا بالأمانة، والتأني، والتفاؤل، والحياء، والسكينة، والطمأنينة، أما فيما يتعلق بالغير فنجده ممتلئًا بالسماحة والرحمة والرفق والمحبة … ونحو ذلك. وإذا انتقلنا إلى مجال الأعمال الظاهرة أو أعمال الجوارح لوجدنا أعمال الإسلام من صلاة وصيام وحج، ووجدنا في النفس الاستقامة والطهارة وأكل الطيبات، وفيما يتعلّق بالغير نجد الإنسان متخلقا بالإحسان والإخاء والأدب والإنفاق والبر وحُسن العشرة وحُسن المعاملة وصلة الرحم وكفالة اليتيم والمروءة والمواساة ونحو ذلك.
ويخضع اللسان أيضًا لتوجيه النفس المطمئنة فلا يصدر عنه فيما يتعلَّق بالله ـ عز وجل ـ إلاَّ كل طيب كالابتهال والدعاء والاستخارة والاستغاثة والذكر وتلاوة القرآن، وفيما يتعلّق بالإنسان نفسه نجد صفات مثل كتمان السر وحفظ الأيمان ونحوهما، أما فيما يتعلّق بالغير فيتصف اللسان بالصدق والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبشارة والدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ ونحو ذلك [انظر الكشاف التوضيحي (4أ ، 4ج) و (4ب ، 4د) وما فيه من صفات أعمال العقل والقلب والجوارح واللسان وعلاقاتها مع الله ومع النفس ومع الغير].
الدور الأخلاقي للنفس الأمَّارة:

(1/48)


للنفس الأمارة بالسوء أيضًا تأثيرها العظيم في مجال الأخلاق، إذ تحض على الشر، وعلى مخالفة أمر الله تعالى، وتتعاون مع الشيطان في النهي عن فعل الخير ولذلك وصفها المولى ـ عز وجل ـ بالفجور لخروجها عن أمر الله وما جاء به الرسول Jفإذا سلك الإنسان مسلكًا متبعًا هواه ونفسه الأمارة بالسوء جاء هذا السلوك قبيحًا ويتسم بالنيّة السيئة وإرادة الشر، هذا منبع كل ما يصدر عن الإنسان قبيحًا وسيئًا سواء أكان ذلك من عمل القلب أو اللسان أو الجوارح. ففي مجال القلب نجد الشرك والكفر والإلحاد والجحود والعصيان … إلخ. أما مع النفس فإننا نجد اتباع الهوى والغرور والكبر والعجب ونحوها من أمراض القلب، وكذلك الأمراض الاجتماعية من نحو الجفاء والغلظة والبُغض والحسد والمكر والنقمة ونحوها [انظر الكشاف التوضيحي (4ب) إطار 1].
فإذا انتقلنا إلى الجوارح التي تأتمر بأمر هذه النفس الشريرة وجدنا ترك الصلاة والتهاون في أداء الجماعات والفسوق ونحوها، هذا مع الله ـ عز وجل ـ ، أما مع الذات فإننا نجد التبذير والتبرج والتفريط والخنوثة والكسل وما أشبه ذلك، أما مع الغير فنجد الإجرام والإرهاب والأذى والإساءة والشُح والطغيان ونحو ذلك مما تضمنته القائمة [انظر الكشاف التوضيحي (4ب) إطار 2].
وفيما يتعلَّق بأعمال اللسان الذي استجاب لهذه النفس الأمَّارة بالسوء فإننا نجد اللغو والمجاهرة بذكر المعصية ونحو ذلك، وفيما يتعلَّق بالنفس فإننا نجد التكاثر والفخر ونحوهما، أما البلاء الأعظم فهو ينجم عن اللسان في حق الآخرين من نحو الإفك والبهتان وشهادة الزور والسخرية والاستهزاء والشماتة وإفشاء السر ونحو ذلك مما تضمنته القائمة [انظر الكشاف التوضيحي (4ب) إطار 3].
الدور الأخلاقي للنفس اللوامة:

(1/49)


إن اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء يؤدي حتما إلى الفشل والتشاؤم، وأما اتباع النفس المطمئنة فإنه يؤدي إلى النجاح والتفاؤل، [انظر الكشاف التوضيحي (12)]، ولكن ماذا بعد؟ أليست هناك إمكانية للموازنة والتصحيح وإعادة الإنسان إلى طبيعته الخيّرة؟ الجواب: نعم. وهنا يأتي دور النفس اللوامة التي تشكل صماما للوقاية وميزانا للتقويم، وقد تنجح هذه النفس عن طريق المجاهدة والمحاسبة والمراقبة في تصحيح وضع الفجور، فيعود الإنسان إلى الخير بالذكر والاستعاذة والتوبة والاحتساب ونحو ذلك مما تضمنته القائمة 13 أ ، فإذا ذكر الله ـ عز وجل ـ واستعان الإنسان بالله تعالى واستعاذ من الوسوسة خنس الشيطان وهرب، وهنا يجد المرء نفسه عائدًا إلى الله وفارًّا إليه من هوى النفس والشيطان فيفعل المأمورات ويجتنب المنهيات ويعود عضوًا صالحًا في المجتمع.
فإذا كانت النفس اللوامة أو ما يمكن أن نسميه بمراقبة الضمير ضعيفة ولا تستطيع مقاومة إغواء الشيطان فإن الإنسان يستمر في غيّه ويرتد أسوأ مما كان، فنشاهد منه الغضب والإحباط والعجلة والنسيان ونحو ذلك.
هذا وللنفس اللوامة أيضًا تأثيرها القوي على النفس المطمئنة لأنها تشكل خطًّا ثانيًا للدفاع عن اليقين الديني وتَأْمُلُ دائما في المزيد من الخير، وهنا تكون النفس المطمئنة مدعومة بقوتين عظيمتين إحداهما: حفظ الملائكة والأخرى النفس اللوامة، أما القوة الأولى فتحفظ الإنسان من الغرور والمن بالطاعة ونحو ذلك من الموبقات، أما الثانية فإنها تدفع إلى مزيد من الكمال وتحمي من التقصير ويكون من نتيجة ذلك اتجاه الطائع إلى الحمد والشكر والإحسان والإنفاق والبر ونحوها [انظر الكشاف التوضيحي (12أ)].

(1/50)


ونظرًا لأهمية العلاقة بين النفس الإنسانية وقضية الابتلاء، فقد قمنا بمحاولة متواضعة توضح مدى التناسب العكسي بين قوى النفس الثلاث، النفس المطمئنة والنفس اللوامة من ناحية والنفس الأمارة ـ مدعومة بغواية الشيطان ورفقاء السوء ـ من ناحية أخرى [انظر خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية].
وتجسد خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية علاقة الابتلاء سواء أكان ابتلاء تكليف (طاعات/معاصي) أو ابتلاء فتنة (سراء/ضراء) بالنفس الإنسانية. ويكشف أيضًا بين الصراع الدائم بين النفس المطمئنة والتي أُلهِمَت التقوى، ومن ثم فهي تأمر بالخير وتحض عليه، والنفس الأمارة التي أُلهِمَت الفجور، ومن ثم فهي تأمر بالشر وتغري به، وبينهما النفس اللوامة، وهي التي تقوم بدور المراقبة والمجاهدة والمحاسبة والتصحيح.
ويُلاحَظ في هذه الخريطة أن التناسب عكسي بين قوة النفس الأمارة من ناحية، وقوة النفس المطمئنة واللوامة من ناحية أخرى فكلما قويت إحداهما ضعفت الأخرى.
الابتلاء والقيم الخلقية:
إن الابتلاء هو قاعدة حركة الحياة في معطيات الإسلام عن الحياة وعن الإنسان، ومن أجلها سخر كل ما في الكون له، ووجدت الرسالات وأرسلت الرسل، ووجدت إرادة الإنسان الحرة الفاعلة، الملتزمة بإعمار الأرض وبناء الحضارة على أسس خلقية لإسعاد الناس جميعًا.

(1/51)


إن عملية التربية الخلقية لها أصولها وقد بيّنا ذلك في الفصل الثاني من (الأخلاق والقيم التربوية في الإسلام) في هذه الموسوعة، سواء ارتدت في التفسير إلى بناء الفرد أو تأثير المجتمع، كما أن تنمية القيم الخلقية تعتمد على فطرة الإنسان وما زود به من استعدادات، ولابد هنا من الإشارة إلى أن الإسلام يلفت نظرنا إلى أن النفس الإنسانية هي مناط التربية الخلقية، ويلفت نظرنا أيضًا إلى أن هذه النفس تتسم بسمات متعددة مثل: الهوى، والشهوة، والحاجات، والدوافع، والشعور بالمشقة، والصبر، والضجر، والخوف والشجاعة، والشح والكرم، والحسد، والكبر والتواضع، والضيق، والتأثر البالغ بالأقوال والأفعال، والشعور بالحسرة والندم، والشك، والإدراك والوعي واليقين والفجور والتقوى، والعلم والجهل، والقدرة على إخفاء المشاعر، والاستعداد لاتخاذ القرار، والاستعداد لإدراك الموقف في كلية وشمولية واستيعاب وإعادة النظر في كل منها، والاستعداد للاستنتاج والتحليل والتفسير، وما إلى ذلك، مما يؤكد ضرورة التربية الخلقية لأن هذه النفس مرنة وتكتسب عمل الخير ليصبح سجية لها وكذلك عمل الشر ليصبح سجية وطبعًا لها.
ونظرًا لأهمية عملية التدريب بالاختبار والتجربة بابتلاء النفس وتمحيص علاقاتها فإننا سنخص ذلك بدراسة مستقلة فيما يلي من صفحات.

===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب : أخبار الحمقى والمغفلين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي

  كتاب : أخبار الحمقى والمغفلين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي أخبار الحمقى والمغفلين مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ ...