تضرع ودعاء

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

لمن تكون الشفاعة

لمن تكون الشفاعة

 https://thelowofalhak.blogspot.com/2018/11/pdf.html

الخميس، 31 مارس 2022

كتاب : 8 الحياة الإيمانية {الموسوعة الايمانية}

الكتاب : 8 الحياة الإيمانية

الحياة الإيمانية
في ضوء
علاقة الابتلاء والنفس الإنسانية
إعداد : عبدالرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح
مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع

----------------------------------

إن الابتلاء وسيلة مهمة من وسائل التدريب العملي على ممارسة ما يعرف بالأخلاق العملية على أرض الواقع، ومن ثم فإنه يصقل الإنسان ويضبط انفعالاته، فهو محك يكشف عما في القلوب وهو وسيلة لاختبار رد فعل الإنسان وقدرته على التكيف مع المواقف المختلفة التي يمر بها في حياته، ومن المعروف أن هذه المواقف تختلف نوعا وكما، كما تختلف باختلاف الأشخاص والأعمار والأماكن وقوة الضغوط واستمراريتها، وهنا يكتسب ـ بالابتلاء ـ خبرة وتجربة ما كانت لتحدث لولا هذا الابتلاء، وليس من النادر أن يكسبه ذلك نوعًا من الحكمة يتأسى بها طول حياته، كما أن فيه صقلا للطبع وتهذيبا للعاطفة وتنمية لحب الخير.
إن المرء يعيش جميع لحظات حياته في حالة ابتلاء، إما بالخير وإما بالشر، إما بالطاعة وإما بالمعصية، كان علينا أن نبحث هذا الموضوع بحثا تفصيليا يتضح من خلاله أنواعه ومظاهره، مجالاته وغاياته، وعلاقته بكل من الفتنة والاختبار، ونأمل من اتخاذ هذا المنهج أن ننجح في توضيح أهمية العلاقة بين مفهوم الحياة والابتلاء وترابطها وتداخلاتها مع المعايير الفردية والاجتماعية التي تضبط حركة السلوك الإنساني في هذه الحياة، نعني بذلك ما أوردناه في هذه الموسوعة من الأخلاق المحمودة التي أمرنا باتباعها، والأخلاق المذمومة التي أمرنا باجتنابها، وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة وخمسة فصول على النحو التالي:
الفصل الأول: مفهوم الحياة ـ الابتلاء.
الفصل الثاني: مجالات الابتلاء ـ أنواعه ـ مظاهره.
الفصل الثالث: حكمة الابتلاء.
الفصل الرابع: القيمة التربوية للابتلاء.
الفصل الخامس: تعامل المسلم مع مواقف الابتلاء.

(1/1)


إنه إذا كانت الآخرة دار حساب فإن الدنيا دار عمل وابتلاء، يقول سبحانه وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(1)، فما هو الابتلاء والنفس الإنسانية؟ وما هي علاقتهما بالأخلاق بجانبيها المحمود والمذموم في هذه الحياة الدنيا ويوم الحساب؟ وما هذه الحياة الدنيا ؟ وما المراد بالنفس ؟ وما معنى الابتلاء وكيفيته ؟ وهذا ما سوف نجيب عنه في الفصول التالية.
الفصل الأول
مفهوم الحياة ـ الابتلاء
لما كان الابتلاء علاقة تربط بين النفس الإنسانية وبين الحياة، كان لزامًا علينا أن نوضح المقصود بهذه المفاهيم الأساسية في اللغة والاصطلاح، وأن نكشف عنها من منظور إسلامي، ونبدأ أولاً بـ :-
الحياة الدنيا لغة:
الحياة: نقيض الموت، والحيّ: نقيض الميت، والحيوان اسم يقع على كل شيء حَيٍّ(2)، أما الدنيا فهي نقيض الآخرة، سميت بذلك لدنوها أي لأنها دنت وتأخرت الآخرة، وكذلك السماء الدنيا هي القربى إلينا، وقيل: الدنيا اسم لهذه الحياة (سميت بذلك) لبعد الآخرة عنها(3)، وقال الفيروزابادي: الحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان: الحياة الدنيا والحياة الآخرة(4).
الحياة الدنيا اصطلاحًا:
__________
(1) الملك/2.
(2) لسان العرب 2/1075 (ط. دار المعارف).
(3) السابق، (د ن و) 3/1435.
(4) بصائر ذوي التمييز (2/512)، وقد ذكر الفيروزابادي أن (الحياة) في القرآن الكريم تُستعمل على ستة أوجه، وذكر منها: القوة النامية والقوة الحساسة، والقوة العاقلة، وارتفاع الغم، والحياة الأخروية الأبدية، والحياة التي يوصف بها الباري تعالى. انظر هذه الاستعمالات في المرجع المذكور ص 512 - 514.

(1/2)


الدنيا أو الحياة الدنيا هي ذلك الحيز المكاني والزماني منذ خلق الله الكون وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهي بالنسبة للآدمي أو جنس الإنسان تمتد منذ خلق الله آدم عليه السلام وإلى أن تقوم الساعة، أما بالنسبة للأفراد أو الأشخاص فهي لا تعدو تلك الفترة الزمنية التي تمتد من لحظة الميلاد إلى لحظة الوفاة. والمقصود بها هنا: الزمن الذي يحدث فيه الابتلاء(1)، أما مكانه فهو الأرض التي نحيا عليها، وقد وصف الله عز وجل هذه الدنيا بصفات عديدة نوجزها فيما يلي :-
وصف الحياة الدنيا:
الحياة الدنيا كما وصفها المولى عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم ذات أحوال متعددة أهمها :-
1 - ذات عمر قصير ومتاع قليل: يقول الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}(2). ويقول سبحانه: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}(3).
2 - دار لهو ولعب وزينة وتفاخر: تأمَّل قوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِى الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ}(4).
__________
(1) انظر: فلسفة التربية الإسلامية لماجد كيلاني 162.
(2) الروم/55، وأنظر الآية 24 من سورة يونس، والآية 45 من سورة الكهف.
(3) النساء/77، وانظر أيضًا الآيات: 36 ، 126 من سورة البقرة، والآية 38 من سورة التوبة، والآية 24 من سورة لقمان.
(4) الحديد/20، وانظر أيضًا الآيات: 32 ، 70 من سورة الأنعام، والآيات: هود/15 ، العنكبوت/64 ، محمد/36.

(1/3)


3 - دار غرور: كما جاء في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ}(1).
4 - دار ترف واستمتاع: يؤتيها الله عزَّ وجلَّ لمن يحب ولمن لا يحب، للمؤمن والكافر، يقول سبحانه: {وَقَالَ المَلأَُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}(2).
5 - دار إغواء: الدنيا هي الميدان الذي يحاول فيه الشيطان (حسدًا منه وكيدًا) أن يغوي الإنسان بالشهوات الحسية والأهواء النفسية لمن لم يكن من عباد الله المخلصين، يقول الله تعالى: {قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءًا مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا}(3).
__________
(1) فاطر/5، وانظر أيضًا الآية 33 من سورة لقمان.
(2) المؤمنون/33، وانظر الآيات الأخرى الواردة في ذلك في: يونس/88 ، الكهف/46 ، القصص/79 الأحقاف/20.
(3) الإسراء/62 - 64.

(1/4)


6 - دار ضلال وطغيان لمن يفتن بها: يقول الله عزَّ وجلَّ في شأن أولئك المفتونين بالدنيا: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}(1)، ويقُول سبحانه في شأن الطغاة: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَأَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المأْوَى}(2).
7 - دار خزي ولعنة للمعاندين: قال تعالى: {فَأَذَاقَهُمُ اللهُ الخِزْيَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(3)، وقال سبحانه: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِنَ المَقْبُوحِينَ}(4).
8 - دار لاكتساب الحسنات والمعيشة الطيبة لمن آمن وعمل صالحًا: يقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(5). وقال عزَّ من قائل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(6).
__________
(1) الكهف/104.
(2) النازعات/37 - 39، وانظر أيضًا الآيات: البقرة/96، إبراهيم/3 ، الأعلى/16.
(3) الزمر/26.
(4) القصص/42، وانظر أيضًا الآيات: البقرة/85 ، الرعد/34، فصلت/16.
(5) الزمر/10، وانظر في ذلك أيضًا: البقرة/130 ، النحل/122 .
(6) النحل/97، وانظر أيضًا: الأعراف/32 .

(1/5)


9 - دار ابتلاء: وقد أجمل القرآن الكريم هذه السمات المتنوعة للحياة الدنيا عندما أشار إلى أنها دار ابتلاء فقال عزَّ من قائل: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ}(1)، وقال تعالى: {إِنَّا جَعْلَنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(2).
الحياة الأخرى:
إذا كانت الحياة الدنيا دار ابتلاء وعمل، فإن الآخرة دار جزاء، وفيها تظهر نتيجة هذا الابتلاء ويلقى الإنسان جزاء ذلك العمل، يقول الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} (الزلزلة/7،8)، وإذا كانت الدنيا دار فناء فإن الآخرة هي دار بقاء، وقد وصفها الله عز وجل بقوله: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} (العنكبوت/64)، يقول صاحب لسان العرب: والحياة اسم يقع على كل شيء حي، وسَمَّى الله عز وجل الآخرة حيوانا لأنها - كما يقول قتادة - هي الحياة الحقيقية، وقال الأزهري: المعنى أن من صار إلى الآخرة لم يمت ودام حيًّا فيها لا يموت، فمن أُدخِل الجنة حيى فيها حياة طيبة، ومن أدخل النار فإنه لا يموت فيها ولا يحيى(3). وقال القرطبي : إن المعنى هو أن الآخرة هي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا موت فيها(4).
الحياة الآخرة كما وصفها القرآن:
وردت في القرآن الكريم صفات عديدة للحياة الآخرة منها:
1 - هي الحياة الحقيقية، {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} (العنكبوت /64).
2 - هي دار القرار، {إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار} (غافر/39).
__________
(1) الملك/1 - 2.
(2) الكهف/7.
(3) لسان العرب 2/1077 (ط. دار المعارف).
(4) تفسير القرطبي 13/362.

(1/6)


3 - هي خير من الحياة الدنيا للمتقين، {وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} (الأنعام/32)، {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} (النساء/77).
4 - هي دار العذاب والخسران للكافرين، {أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون} (النمل/5)، {ولهم في الآخرة عذاب عظيم} (المائدة/33)، {لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون} (النحل/109).
5 - دار تتفاوت فيها درجات الناس ومنازلهم، {وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً} (الإسراء/21).
6 - دار مسئولية وجزاء، {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} (الحجر/92،93)، {وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف/180)، {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما} (الفرقان/75).
علاقة الإنسان بالحياة الآخرة:
وانطلاقًا من هذه الصفة الأخيرة فإن علاقة الإنسان بالحياة الآخرة هي علاقة مسئولية عمّا قدمت يداه في الحياة الدنيا، وتعنى المسئولية هنا: أن كل إنسان سوف يُسأل عن تفاصيل ما ابْتُلِي فيه في الدنيا، وفي ضوء نجاحه أو فشله لتحمل هذه المسئولية يتقرر جزاؤه ومصيره(1). فإما إلى جنة عرضها السماوات والأرض وإما إلى جهنم وساءت مصيرًا.
إن مسئولية الإنسان عن أعماله في الدنيا قد يستطيع الإفلات منها بطريقة ما، ولكن المسئولية في الدار الآخرة لا يمكن بحال إلا أن تكون سيفًا بتّارًا على أعناق الظالمين والطغاة.
العلاقة بين المسئولية في الحياتين الدنيا والآخرة:
لا شك أن هناك علاقة وثيقة بين المسئولية في الدارين لأن المسئولية الاجتماعية في الدنيا هي نتيجة لازمة لعلاقة المسئولية في الآخرة وتتطابق معها. وهي الحلقة التي تربط بين مواقف الإنسان في الدنيا والآخرة وتجعلهما طورين متعاقبين من الابتلاء والجزاء.
__________
(1) فلسفة التربية الإسلامية بتصرف يسير، ص 195

(1/7)


والمسئولية الاجتماعية في الدنيا دوائر وميادين بعضها أكبر من بعض. وهي تبدأ بالفرد وتنتهي بالإنسانية كما يلي :-
1 - مسئولية الفرد عن نفسه وعن ما منحه الله من قدرات عقلية وسمعية وبصرية وجسدية ونفسية ليستعملها فيما خُلِقَت له طبقًا لأوامر الله ونواهيه.
2 - مسئولية الفرد عن أسرته وتشمل مسئولية الوالد عن الأبناء والبنات، ومسئولية الولد عن الوالدين، ومسئولية الزوجين كل عن الآخر.
3 - مسئولية الأرحام بعضهم عن بعض.
4 - مسئولية الفرد عن الأمة، ومسئولية الأمة عن الفرد فيما يزيد في تقدم الأمة ويحفظ مقدراتها وأمنها، وفيما يوفر للفرد العيش الكريم والأمن والاستقرار، ويتفرع عن هذه المسئولية فروع عديدة مثل مسئولية الحاكم عن الشعب، والقوي عن الضعيف، والغني عن الفقير.
5 - مسئولية الجيل عن الأجيال اللاحقة في إعدادها لمتطلبات حياتها عقائديا واجتماعيًا واقتصاديا وكل ما يساعدها على عبور مستقبلها بنجاح.
6 - مسئولية الأمة عن الأمم.
7 - مسئولية الإنسان عن المخلوقات باعتباره خليفة الله في الأرض، وأن المخلوقات كلها عيال الله وأحبها إلى الله أبرهم بعياله. وتتسع هذه المسئولية حتى تشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد(1).
__________
(1) فلسفة التربية الإسلامية بتصرف يسير، ص 201 وما بعدها.

(1/8)


أما المسئولية في الآخرة فهي مسئولية فردية يتحمل فيها الإنسان بمفرده نتيجة عمله دون تأثير على الآخرين من حيث الثواب أو العقاب، يقول تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى} (النجم/ 39 41)، ومما لا شك فيه أن إضلال الآخرين أو هدايتهم يقع في إطار هذه المسئولية الفردية يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام مقرراً ذلك: (من سَنَّ خيرا فاستن به كان له أجره، ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن سَنَّ شرًّا، فاستن به كان عليه وزره، ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا)(1).
إن جوهر العلاقة بين النفس الإنسانية والحياة الدنيا هي علاقة ابتلاء وتمحيص وفتنة، وسنشير بإيجاز لمعنى كل من النفس والابتلاء والفتنة تمهيدًا للحديث عن مظاهر هذا الابتلاء وأنواعه ونتائجه.
الابتلاء والفتنة:
لفظ (الابتلاء) مأخوذ من مادة (ب ل و) التي تدل على نوع من الاختبار من ذلك قولهم: بُلِيَ الإنسان وابتلاه الله أي اختبره، قال الشاعر:
بُلِيتُ وَفُقْدَانُ الحَبِيبِ بَليَّةٌ
……وَكَم مِن كَرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمَّ يَصْبِرُ
__________
(1) انظر في تخريج هذا الحديث الجزء الثاني من الموسوعة ، ص358 .

(1/9)


ويكون البلاء بالخير والشر، والله - عز وجل - يبلي العبد بلاء حسنا وبلاء سيئا، وذلك راجع إلى معنى الاختبار لأنه بذلك يختبر صبره وشكره، وبلوته تأتي أيضا بمعنى جزيتهُ(1)، وتأتي كذلك بمعنى استخبرته، يقال: بلوته فأبلاني أي استخبرته فأخبرني، والاسم من الابتلاء: البلوى والبلية والبلاء والجمع من ذلك: بَلاَيَا(2)، وفي الحديث: (اللهم لا تُبْلنا إِلاَّ بالتي هي أحسن) ويقال: أبلاه الله بلاءً حسنًا إذا صنع به صنعًا جميلاً، وقال ابن قتيبة: يقال: من الخير أبليته ومن الشر بلوته(3)، وعقب على ذلك الرأي ابن منظور فقال: والمعروف (في اللغة) أن الابتلاء يكون بالخير وبالشر معا من غير فرق بين فعليهما ومن ذلك قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(4)،(5)، وقال ابن بري: يأتي الابتلاء أيضا بمعنى الإنعام كما في قوله -عز من قائل - : {وَأَتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُبِينٌ}(6). أي إنعامٌ بَيِّنٌ، وقال تعالى في قصة سليمان عندما سخَّر له من يأتيه بعرش بلقيس في طرفة عين: {قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ(7)، وفي الحديث: (مَنْ أُبْلِيَ فَذَكَرَ فَقَدْ شَكَرَ) قال ابن الأثير: الإبلاء (هنا) هو الإنعام والإحسان(8).
الابتلاء اصطلاحا:
قال الكفوي: الابتلاء: التكليف في الأمر الشَّاقِّ، ويكون في الخير والشر معا، ولكنهم (عادة ما) يقولون: في الخير أبليته إبلاء وفي الشر: بلوته بلاءً(9).
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس 1/292 ، والصحاح للجوهري 6/2285.
(2) لسان العرب لابن منظور 1/355 (ط. دار المعارف).
(3) النهاية لابن الأثير (بتصرف) 1/155.
(4) الأنبياء/35.
(5) لسان العرب 1/355 (ط. دار المعارف).
(6) الدخان/33.
(7) النهاية لابن الأثير 1/155.
(8) النمل/40.
(9) الكليات 1/29.

(1/10)


وقال المناوي: البلاءُ كالبلية: الامتحان، وسمي الغم بلاء لأنه يبلي الجسد(1).
وقال ماجد كيلاني: الابتلاء هو اختبار مدلول العبادة بمظاهرها الدينية والاجتماعية والكونية وهو المظهر العملي لعلاقة العبودية بين الله - عز وجل
والإنسان(2).
هذا ويرتبط مفهوم الابتلاء بمفهوم آخر يتعلق به تعلقًا شديدًا وقد يرادفه أحيانًا، ألا وهو مفهوم الفتنة، وسنعرض لهذا بإيجاز ـ فيما يلي :
الفتنة لغة:
الفتنة مصدر قولهم: فتنه يفتنه فتنا وفتنة، وهي مأخوذة من (ف ت ن) التي تدل على الابتلاء والاختبار، وأصل الفتن إحراق الشيء بالنار لتظهر جودته من رداءته(3).
الفتنة اصطلاحًا:
تعني الفتنة ما يبين به حال الإنسان من الخير والشر(4). وقال المناوي: الفتنة: البلية وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة(5). وقال ماجد كيلاني: الفتنة هي الامتحان أو الاختبار المذهب للعقل أو المال أو المضل عن الحق(6).
أنواع الفتنة:
يقول ابن القيم: الفتنة نوعان: فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما.
أما النوع الأول وهو فتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى.
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم.
وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب. وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة. ولا ينجى من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في كل أمور الدين ظاهرة وباطنة.
__________
(1) التوقيف ص 82.
(2) ماجد كيلاني، فلسفة التربية الإسلامية ص 161 (بتصرف).
(3) انظر صفة الفتنة.
(4) التعريفات للجرجاني ص 171.
(5) التوقيف على مهمات التعاريف ص 257.
(6) فلسفة التربية الإسلامية ص 184.

(1/11)


أما النوع الثاني من الفتنة ففتنة الشهوات. وقد جمع سبحانه بين الفتنتين في قوله: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاَقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ}(1) أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}(2). فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات. فأشار ـ سبحانه ـ في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح. فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق العمل. فالأول: فساد من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات ولهذا كان السلف يقولون: (احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه). قال تعالى: {وَجَعْلَنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}(3).
وكانوا يقولون: (احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون). وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة، ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(4). فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة(5).
الفرق بين الفتنة والابتلاء والاختبار:
__________
(1) التوبة/69.
(2) التوبة/69.
(3) الفرقان/20.
(4) السجدة/24.
(5) ابن القيم، إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2/160
161).

(1/12)


الفرق بين الفتنة والاختبار: هو أن الفتنة أشد الاختبار وأبلغه، ويكون في الخير والشر ألا تسمع قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}(1). وقال تعالى: {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}(2). فجعل النعمة فتنة لأنه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذهب إذا أريد المبالغة في تعرف حاله أدخل النار، والله تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشر وإنما المراد بذلك شدة التكليف.
أما الفرق بين الاختبار والابتلاء: فهو أن الابتلاء عادة لا يكون إلا بتحميل المكاره والمشاق. والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب ألا ترى أنه يقال اختبره بالإنعام عليه ولا تقول ابتلاه بذلك ولا هو مبتلى بالنعمة كما قد يقال إنه مختبر بها ويجوز أن يقال: إن الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك، والخبر العلم الذي يقع بكنه الشيء وحقيقته فالفرق بينهما بين. والفتنة تأتي أيضًا بمعنى الابتلاء كما في قوله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا أَمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ}(3).
__________
(1) التغابن/15.
(2) الجن/16
17.
(3) العنكبوت/1 - 3.

=============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب : أخبار الحمقى والمغفلين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي

  كتاب : أخبار الحمقى والمغفلين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي أخبار الحمقى والمغفلين مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ ...