تضرع ودعاء

سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني وحق إسمك الأعظم الذي تعلمه ولا أعلمه أسألك أن تَشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  //اللهم تقبل واستجب//https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

لمن تكون الشفاعة

لمن تكون الشفاعة

 https://thelowofalhak.blogspot.com/2018/11/pdf.html

الخميس، 31 مارس 2022

كتاب : 17 الصلاة على رسول الله من الموسوعة

 

تنبيه: {J}= عليه الصلاة والسلام}

 كتاب : 17 الصلاة على رسول الله

الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
صيغ الصلاة على رسول الله
عليه الصلاة والسلام
1‍- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ
J وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَدْ أَمَرَنَا اللهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: [قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ](1). وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: [فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلاتِنَا ...] الْحَدِيث.
__________
(1) أحمد (5/274)، ومسلم (405)، والنسائي (3/45، 46)، والترمذي (3220)، وقال حديث حسن صحيح. وأبوداود (980، 981)، ومالك في [الموطأ] (1/165، 166) .

(1/1)


2‍- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ(1) حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ J، وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَّا السَّلامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلاتِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ J حَتَّى أَحْبَبْنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْهُ. ثُمَّ قَالَ: [إِذَا أَنْتُمْ صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ ..](2).
__________
(1) هو بشير بن سعد .
(2) أحمد في [المسند] (4/119) . والحاكم في [المستدرك] (1/268) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي . وهو عند ابن خزيمة في صحيحه.

(1/2)


3‍- عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ J فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفُ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: [قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ َبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ](1).
__________
(1) البخاري - الفتح (1/6357)، ومسلم (406) واللفظ له، وفي لفظ آخر عند البخاري - الفتح (61/3370 ] من طريق عبدالله بن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ سمعتُها من النبيِّ
J، فقلت: بلى، فاهْدِهَا لي، فقال: سألنا رسول الله J، فقلنا: يا رسول الله! كيف الصلاةُ عليكم أهل البيت؟ فإنَّ الله قد علَّمنا كيف نُسلِّم. قال: [قولوا: اللَّهُمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللَّهُمَّ بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وقد جمع هذا الحديث بين إبراهيم وآله في الصلاة والبركة، وهو على خلاف ما جزم به المؤلف من أن أكثر الأحاديث الصحاح والحسان، مُصرحة بذكر النبيJ وبذكر آله، أما في حق المشبه به وهو إبراهيم وآله، فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم فقط دون ذكر إبراهيم أو بذكره فقط دون ذكر آله، ولم يجىء حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم وهو سهو منه رحمه الله، وبتفصيل أكثر. انظر فتح الباري (11/158 - 159).

(1/3)


4‍عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُمْ قَالُوا: يَارَسُولَ اللهِ! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ J: [قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ](1).
5‍- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا السَّلامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: [قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ](2).
6‍- عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: [قُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ].
__________
(1) البخاري - الفتح (11/6360)، ومسلم (407)، وأبو داود (979)، والنسائي (3/49)، وابن ماجه (905).
(2) البخاري - الفتح (11/6358)، والنسائي (3/49)، وابن ماجه (903) .

(1/4)


وَفِي لَفْظٍ آخَرَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنَّ رَجُلاً أَتَى نَبِيَّ اللهِ J فَقَالَ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: [قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ](1).
7‍- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -(2) قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ
J: كَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: [صَلُّوا وَاجْتَهِدُوا، ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ](3).
__________
(1) أحمد في [المسند] (1/126)، والنسائي (3/48) وإسناده حسن.
(2) هو زيد بن خارجة بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي شهد بدرًا وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه، وانظر [الإصابة] لابن حجر (1/547)، وراجع [جلاء الأفهام] لابن القيم (ص 13) .
(3) أحمد في [المسند] (1/199)، والنسائي (3/49)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 69)، وقال الأرنؤطيان: إسناده صحيح .

(1/5)


8‍- عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ J فَأَحْسِنُوا الصَّلاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: فَعَلِّمْنَا، قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرَ وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ،اللَّهُمَّ َبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ](1).
__________
(1) ابن ماجه (ص 906)، وقال في [الزوائد: رجاله ثقات . إلا أن المسعودي اختلط بآخر عمره .

(1/6)


9‍عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ مَسْعُودٍ(1)، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَمَرْتَنَا أَنْ نُسَلِّمَ عَلَيْكَ، وَأَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَقَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: [تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، اللَّهُمَّ َبَارِكْ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ](2).
طلب الصلاة من الله:
فِي الصِّيَغِ السَّابِقَةِ لاَحَظْنَا أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ
J تَتَحَقَّقُ مِنْ خِلاَلِ طَلَبِهَا مِنَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَهُنَا سُؤَالٌ مُهِمٌّ هُوَ: لِمَاذَا لاَ نُصَلِّي عَلَيْهِ مُبَاشَرَةً وَإِنَّمَا نَطْلُبُ ذَلِكَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وعَنَْ هَذَا السُّؤَالِ يُجِيبُ ابْنُ القَيِّمِ فَيَقُولُ:
أولاً: إِنَّ الصَّلاَةَ مِنَ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَجَلِّ المَرَاتِبِ وَأَعْلاَهَا، وَمُحَمَّدٌ
J أَفْضَلُ الخَلْقِ فَلاَ بُدُّ أَنْ تَكُونَ الصَّلاَةَ الحَاصِلَةُ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ تَحْصُلُ لِمَخْلُوقِ فَلاَ يَكُونُ غَيْرُهُ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهَا(3).
__________
(1) عبدالرحمن بن بشير ذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبَّان في التابعين. وقال ابن القيم معدود في الصحابة، وراجع [جلاء الأفهام] (ص 65) .
(2) فضل الصلاة على النبي
J] لإسماعيل بن إسحاق القاضي (ص 71)، وقال فضيلة الشيخ الألباني في تخريجه: إسناده مرسل صحيح، رجاله كلهم رجال مسلم.
(3) راجع (جلاء الأفهام) ص 154 .

(1/7)


ثانيًا: إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَلاَ رَيْب أَنَّ المَطْلُوبَ مِنَ اللهِ هُوَ نَظِيرُ الصَّلاَةِ المُخْبَرِ بِهَا لاَ مَا دُونهَا، وَهُوَ أَكْمَلُ الصَّلاَةِ وَأَرْجَحهَا لاَ الصَّلاَةُ المَرْجُوحَةُ المَفْضُولةُ(1).
كَمَا كَانَ أَجْرُ فَضْلِ صَلاَةِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ فَضْلِ صَلاَةِ الإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ، فَقَدْ كَانَ هَذَا الفَضْلُ ـ الحَاصِلُ بِصَلاَةِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَائِدًا عَلَى الإِنْسَانِ لَهُ فَائِدَةٌ وَأَجْرٌ أَعْظَمْ.
مواطن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1‍) فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ(2):
__________
(1) راجع (جلاء الأفهام) ص 153 .
(2) ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ خلافًا طويلاً في حكم الصلاة على النبي
J من حيث الوجوب أو الاستحباب فقال: الموضع الأول - وهو أهمها وآكدها -: في الصلاة في آخر التشهد، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، واختلفوا في وجوبه فيها، فقالت طائفة: ليس بواجب فيها، ونسبوا من أوجبه إلى الشذوذ، ومخالفة الإجماع، منهم الطحاوي، والقاضي عياض، والخطابي، فإنه قال: ليست بواجبة في الصلاة، وهو قول جماعة الفقهاء إلاَّ الشافعي، ولا يعلم له قدوة، وكذلك ابن المنذر ذكر أن الشافعي تفرد بذلك، واختار عدم الوجوب. راجع [جلاء الأفهام] ص 263 - 293 .

(1/8)


عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ J وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: قَدْ أَمَرَنَا اللهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: [قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَالسَّلامُ كَمَا عَلِمْتُمْ] (1). وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: [فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلاتِنَا ...] الْحَدِيث.
عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ
J، سَمِعَ رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ J، فَقَالَ النَّبِيُّ J: [عَجِلَ هَذَا] ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: [إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ J، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ](2).
__________
(1) أحمد (5/274)، ومسلم (405)، والنسائي (3/45، 46)، والترمذي 3220)، وقال حديث حسن صحيح، وأبوداود (980، 981)، ومالك في [الموطأ] (1/165، 166) .
(2) رواه أبوداود برقم (1481)، والترمذي برقم (3477) وقال: حديث حسن صحيح والنسائي (3/44)، والإمام أحمد في المسند (6/18)، والحاكم في المستدرك (1/230)، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(1/9)


عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا، قَالَ: [لا تَكُونُ صَلاةٌ إِلاَّ بِقِرَاءَةٍ وَتَشَهُّدٍ وَصَلاةٍ عَلَيَّ](1).
(2‍) فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ(2) بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
J، أَنَّ السُّنَّةَ(3) فِي الصَّلاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الإِمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ J، وَيُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْجِنَازَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ لا يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ، ثُمَّ يُسَلِّمَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ(4).
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر: أخرجه العمري في [عمل اليوم والليلة] بسند جيد. انظر الفتح (11/196) .
(2) أبوأمامة: صحابي صغير، كما قال ابن القيم. راجع [جلاء الأفهام] (ص 292) وقد رواه عن جماعة من الصحابة . فقال يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبوأمامة بن سهل بن حنيف وكان من صغار الأنصار وعلمائهم وأبناء الذين شهدوا بدرًا مع رسول الله
J أخبره رجال من أصحاب رسول الله J في الصلاة على الجنازة، أن يكبّر الإمام ثم يصلِّي على النبي J ... الحديث .
(3) من السنَّة: قال ابن كثير: هذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح . انظر تفسير ابن كثير (3/521) .
(4) رواه الشافعي في [الأم] (1/239، 240) . والحاكم في المستدرك (1/360) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي والبيهقي في [السنن الكبرى] (4/39، 40) والنسائي مختصرًا (4/75) .

(1/10)


عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ - رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ: [إِنَّ السُّنَّةَ فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ J، ثُمَّ يُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَفْرُغَ، وَلا يَقْرَأَ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمَ فِي نَفْسِهِ](1).
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبِريِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَا لَعَمْرُ اللهِ أُخْبِرُكَ، أُتْبِعُهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْتُ وَحَمَدْتُ اللهَ تَعَالَى وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ
J، ثُمَّ أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا، فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ](2).
(3‍) فِي الخُطَبِ: كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا:
__________
(1) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 79) . وقال مخرج الكتاب الألباني: إسناده صحيح، وكذا أخرجه الحاكم (1/360) وصححه ووافقه الذهبي .
(2) أخرجه عبدالرزاق في [المصنَّف] (6425] وإسماعيل القاضي في: فضل الصلاة على النبي
J (93)، وذكره الهيثمي في [المجمع] (3/33) ونسبه إلى أبي يعلى وقال: رجاله رجال الصحيح .

(1/11)


عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ شُرَطِ(1) عَلِيٍّ، وَكَانَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ، فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ - يَعْنِي عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ J، وَقَالَ: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُوبَكْرٍ، وَالثَّانِي عُمَرُ، وَقَالَ: يَجْعَلُ اللهُ الْخَيْرَ حَيْثُ شَاءَ](2).
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَمَا يَفْرُغُ مِنْ خُطْبَةِ الصَّلاةِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ
J: [اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَقُلُوبِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا].
(4‍) بَعْدَ الأَذَانِ:
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ
J يَقُولُ: [إِذَا سَمْعِتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ](3).
__________
(1) الشرط جمع شرطة، وهو الجندي الذي يقوم بالحراسة .
(2) أحمد في المسند (1/106) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح، وقال الأرنؤطيان في تحقيقهما لجلاء الأفهام: أخرجه عبدالله ابن الإمام أحمد في [زوائده] (1/106) وإسناده حسن .
(3) أخرجه مسلم (384) .

(1/12)


(5‍) عِنْدَ الدُّعَاءِ:
وَلَهُ ثَلاثَةُ مَرَاتِبَ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّعَاءِ وَبَعْدَ حَمْدِ اللهِ تَعَالَى.
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ.
وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَيَجْعَلَ حَاجَتَهُ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَهُمَا.
فَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الأُولَى، فَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ
J رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ J، فَقَالَ النَّبِيُّ J:[عَجِلَ هَذَا]، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ: [إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ J ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ] وَقَدْ تَقَّدَمَ(1).
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ
J وَأَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ J ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ J: [سَلْ تُعْطَهُ سَلْ تُعْطَهُ](2).
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: [إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ تَعَالَى فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ
J، ثُمَّ يَسْأَلُ بَعْدُ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يَنْجَحَ أَوْ يُصِيبَ](3).
__________
(1) تقدم تخريجه .
(2) أخرجه الترمذي (593) وقال: هذا حديث حسن صحيح . وقال محقق جامع الأصول (4/156) إسناده حسن .
(3) رجاله ثقات لكنه منقطع . وانظر جلاء الأفهام بتحقيق الأرناؤوط (ص 307) .

(1/13)


وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَا مِنْ دُعَاءٍ إِلاَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ J، فَإِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ J، انْخَرَقَ الْحِجَابُ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ، وَإِذَا لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ J، لَمْ يُسْتَجَبِ الدُّعَاءُ](1).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا شُرِعَتِ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ
J فِيهَا أَمَامَ الدُّعَاءِ، فَمِفْتَاحُ الدُّعَاءِ: الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ J، كَمَا أَنَّ مِفْتَاحَ الصَّلاةِ الطَّهُورُ. وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ J، بِمَنْزِلَةِ الْفَاتِحَةِ مِنَ الصَّلاَةِ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ يَقُولُ: [مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ اللهَ حَاجَتَهُ، فَلْيَبْدَأْ بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ
J، وَلْيَسْأَلْ حَاجَتَهُ، وَلْيَخْتِمْ بِالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ J، فَإِنَّ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ J مَقْبُولَةٌ، وَاللهُ أَكْرَمُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَيْنَهُمَا.
(6‍) عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ:
__________
(1) قال المنذري في [الترغيب والترهيب] (3/165): وعن علي - رضي الله عنه - قال: كل دعاء محجوب حتى يصلِّيَ على محمد
J، رواه الطبراني في [الأوسط موقوفاً، ورواته ثقات، ورفعه بعضهم، والموقوف أصح، وذكره الهيثمي في [المجمع] (10/160) . وقال: رجاله ثقات، وأخرج الترمذي (486) عن عمر موقوفًا [الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى يصلِّيَ على النبي J] وفي سنده أبوقرة الأسد ي وهو مجهول . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ورد له شاهد مرفوع في جزء الحسن بن عرفة. انظر فتح الباري (11/169) .

(1/14)


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ J قَالَ: [إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ J، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ J وَلْيَقْلْ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ](1).
وَفِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَه مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَدَّتِهَا فَاطِمَةَ الْكُبْرَى قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
J إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَقُولُ: أَبْوَابَ فَضْلِكَ] وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: كَانَ رَسُولُ اللهِ J إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ(2).
(7‍) عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ
J كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى الصَّفَا ثَلاَثًا يَقُولُ: [لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ J، ثُمَّ يَدْعُو، وَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَالدُّعَاءَ، ثُمَّ يَفْعَلُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ] وَهَذَا مِنْ تَوَابِعِ الدُّعَاءِ أَيْضًا(3).
__________
(1) صححه ابن خزيمة (452) وابن حبان (321) وقال الأرنؤطيان وهو كما قالا .
(2) رواه أبوداود (465) والترمذي (304) وابن ماجة (771) وابن السني (87) قال الحافظ ابن حجر: رجال إسناده ثقات إلاَّ أن فيه انقطاعًا وقال الأرنؤطيان حديث صحيح بشواهده .
(3) فضل الصلاة على النبي
J لإسماعيل بن إسحاق القاضي رقم (87) قال الألباني: سنده متصل صحيح .

(1/15)


وَعَنْ وَهْبِ بِنْ الأَجْدَعِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَخْطُبُ النَّاسَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: [إِذَا قَدِمَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ حَاجًّا، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَلْيُصَلِّ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنَ، ثُمَّ يَسْتَلِمِ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، ثُمَّ يَبْدَأْ بِالصَّفَا، فَيَقُومُ عَلَيْهَا، وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ فَيُكَبِّرُ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرٍ حَمْدُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ، وَصَلاةٌ عَلَى النَّبِيِّ J، وَمَسْأَلَةٌ لِنَفْسِهِ، وَعَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلُ ذَلِكَ](1).
(8‍) عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْقَوْمِ وَقَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ:
عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللهِ وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ J، إِلاَّ قَامُوا عَنْ أَنْتَنَ مِنْ جِيفَةٍ](2).
__________
(1) رواه إسماعيل بن إسحاق في كتاب فضل الصلاة على النبي
J (ص 71)، وقال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد حسن قوي، وانظر تفسير ابن كثير (3/533) .
(2) رواه أبوداود الطيالسي (1756)، والبيهقي في شعب الإيمان، والضياء المقدسي في المختارة والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 411) بلفظ [ما جلس قوم مجلسًا ثم تفرقوا عن غير صلاة على النبي
J إلاَّ تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة] . قال ابن القيم رحمه الله: قال أبوعبدالله المقدسي (الضياء): هذا عندي على شرط مسلم . راجع جلاء الأفهام (ص 78) وأيضًا صحح الحديث الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (5382) .

(1/16)


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ J، قَالَ: [مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ(1) فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ](2).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ
J، قَالَ: [مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لا يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ J، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلْثَّوَابِ](3).
(9‍) عِنْدَ وُرُودِ ذِكْرِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ:
__________
(1) ترة): نقص وتبعة وحسرة . انظر النهاية لابن الأثير (1/189) .
(2) رواه الإمام أحمد في المسند (2/446، 452، 481، 484، 495)، والترمذي برقم (3380) وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك (1/496)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي
J (ص 51)، وصحح الحديث أيضًا الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (74)، وعبدالقادر الأرناؤوط، انظر تعليقه على كتاب [جامع الأصول] (4/472) .
(3) رواه الإمام أحمد في المسند (2/463) وابن حبان (2322) كما في موارد الظمآن . والحاكم (1/492)، وإسماعيل القاضي في [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 52، 53)، وقال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح . انظر مجمع الزوائد (10/79) وأيضًا صححه الألباني، انظر السلسلة الصحيحة برقم (76)، وصحيح الجامع الصغير برقم (7500) .

(1/17)


عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ J، قَالَ: [مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا](1).
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [احْضُرُوا الْمِنْبَرَ] فَحَضَرْنَا فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: [آمِينَ]. فَلَمَّا ارْتَقَى الثَّانِيةَ قَالَ: [آمِينَ]. فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: [آمِينَ]. فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَارَسُولَ اللهِ! لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُ، قَالَ: [إِنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ لِي، فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، قُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ، قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: آمِينَ](2).
__________
(1) رواه النسائي في [عمل اليوم والليلة] (ص 60)، وابن السني (383)، والبخاري في الأدب المفرد (ص 463)، قال النووي: إسناده جيد . انظر كتابه [الأذكار] (ص 145)، وقال ابن القيم: إسناده صحيح، انظر كتابه [جلاء الأفهام] (ص 295) .
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/153، 154)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي .

(1/18)


وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [رَغِمَ(1) أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرُ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ](2).
عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ
J قَالَ: [بَخِيلٌ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ](3).
(10‍) عِنْدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ:
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا، أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ](4).
(1‍‍) عِنْدَ الْوُقُوفِ عَلَى قَبْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
(1) رغم): قال الحافظ المنذري: بكسر الغين المعجمة أي: لصق بالرغام وهو التراب؛ وقال ابن الأعرابي: هو بفتح الغين، ومعناه: ذلَّ. انظر الترغيب والترهيب (2/508) .
(2) رواه الترمذي برقم (3539) وقال: حديث حسن غريب، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في [فضل الصلاة على النبي
J)، (ص 31)، وحسَّنه ابن حجر، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (3504) .
(3) رواه الترمذي(3564) وقال : حديث حسن صحيح، وأحمد في المسند(1/201).
(4) قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين وإسناد أحدهما جيّد ورجاله وُثقوا . انظر مجمع الزوائد (01/021) . وأيضًا حسَّن الحديث الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (6233) .

(1/19)


عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ J، فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّJ، وَيَدْعُو لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -(1).
(12‍) عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى السُّوقِ، أَوْ إِلَى دَعْوَةٍ أَوْ نَحْوِهَا:
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: [مَا رَأَيْتُ عَبْدَاللهِ جَلَسَ فِي مَأْدُبَةٍ وَلا جنَازَةٍ وَلا غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَقُومَ حَتَّى يَحْمَدَ اللهَ، وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ
J، وَيَدْعُوَ بِدَعَوَاتٍ. وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ، فَيَأْتِي أَغْفَلَهَا مَكَانًا، فَيَجْلِسُ، فَيَحْمَدُ اللهَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ J، وَيَدْعُو بِدَعَوَاتٍ](2).
(13‍) فِي صَلاَةِ الْعِيدِ:
__________
(1) ذكره مالك في الموطأ (1/661)، وقال محققًا جلاء الأفهام (ص 228) إسناده موقوف صحيح . وقال الألباني في تخريج فضل الصلاة على النبي: إسناده موقوف صحيح.
(2) ذكره السخاوي في القول البديع (ص 217) وقال: أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي شيبة .

(1/20)


عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى وَحُذَيْفَةَ: خَرَجَ عَلَيْهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ قَبْلَ الْعِيدِ يَوْمًا فَقَالَ لَهُمْ: [إِنَّ هَذَا الْعِيدَ قَدْ دَنَا فَكَيْفَ التَّكْبِيرُ فِيهِ؟] قَالَ عَبْدُاللهِ: [تَبْدَأُ فَتُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً تَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلاةَ وَتَحْمَدُ رَبَّكَ، وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ J، ثُمَّ تَدْعُو وَتُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَقْرَأَ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَرْكَعُ، ثُمَّ تَقُومُ وَتَقْرَأُ وَتَحْمَدُ رَبَّكَ وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ J، ثُمَّ تَدْعُو وَتَكُبِّرُ، وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَرْكَعُ]. فَقَالَ حُذَيْفَةُ وَأَبُومُوسَى: [صَدَقَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ](1).
(14‍) يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا:
__________
(1) رواه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي
J (ص 75، 76) وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3/125) إسناده صحيح

(1/21)


عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوَضةٌ عَلَيَّ] قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ(1)؟ يَقُولُونَ بَلِيتَ، فَقَالَ: [إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ](2).
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا](3).
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُصَلِّي عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلاتُهُ](4).
(15‍) عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ:
__________
(1) أرمت: بفتح الراء أو كسرها: أي (بليت) .
(2) رواه: أبوداود برقم (1047)، والنسائي (3/19)، وابن ماجه برقم (1085، 1636)، والإمام أحمد في المسند (4/8)، والحاكم في المستدرك (4/560)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي . وقال النووي: رواه أبوداود بإسناد صحيح. انظر [رياض الصالحين] ( ص 413) .
(3) رواه البيهقي في سننه (3/249)، وحسَّنه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (0221)، وأورد له شواهد كثيرة، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1407) .
(4) رواه الحاكم (2/421) وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي في [شعب الإيمان] وصححه الألباني لشواهده، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (1216)، والسلسلة الصحيحة برقم (1527) .

(1/22)


قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: مِنْ مَوَاطِنِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَقِبَ خَتْمِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا لأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ دُعَاءٍ، وَقَدْ نَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - عَلَى الدُّعَاءِ عَقِيبَ الْخَتْمَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: [كَانَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ]، وَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ أَكْبَرِ مَوَاطِنِ الدُّعَاءِ وَأَحَقِّهَا بِالإِجَابَةِ فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ مَوَاطِنِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ J](1).
(16‍) عِنْدَ الْقِرَاءَةِ:
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: إِذَا مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ
J، فَإِنْ كَانَ فِي نَفْلٍ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(2).
قَالَ ابْنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبَّاسَ الْعَنْبَرِيَّ وَعَلِيَّ ابْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولانِ: مَا تَرَكْنَا الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ
J، فِي كُلِّ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ(3).
قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - حَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِي مِمَّنْ أَثِقُ بِهِمْ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: مَاذَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قَالَ: رَحِمَنِي أَوْ غُفِرَ لِي، قُلْتُ: وَبِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ إِذَا أَتَيْتُ عَلَى اسْمِ النَّبِيِّ
J، كَتَبْتُ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ](4).
__________
(1) انظر جلاء الأفهام (ص 330، 331) .
(2) انظر جلاء الأفهام لابن القيم (ص 355) .
(3) انظر جلاء الأفهام (ص 338) .
(4) انظر جلاء الأفهام (ص 337) .

(1/23)


قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ إِلاَّ الصَّلاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ J، لَكَفَتْهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ](1).
(17‍) عِنْدَ الْهَمِّ، وَالشَّدَائِدِ، وَطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ:
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: [كَانَ رَسُولُ اللهِ
J، إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: [يَاأَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ]. قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ فِي صَلاتِي؟ فَقَالَ: [مَا شِئْتَ].قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: [إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ](2). وَالمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَجْعَلُ دُعَاءَهُ صَلاةً عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَكْفِيهِ اللهُ مَا أَهَمَّهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
(18‍) عِنْدَ خِطْبَةِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ:
__________
(1) انظر جلاء الأفهام (ص 336) .
(2) رواه الترمذي (2457) وقال: حديث حسن صحيح . وأحمد في المسند (5/163)، والحاكم في المستدرك (2/421)، وصححه ووافقه الذهبي . وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده جيّد .

(1/24)


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ..}(1) الآية .. قَالَ: يَعْنِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُثْنِي عَلَى نَبِيِّكُمْ، وَيَغْفِرُ لَهُ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ بِالاسْتِغْفَارِ لَهُ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} أَثْنُوا عَلَيْهِ فِي صَلاتِكُمْ، وَفِي مَسَاجِدِكُمْ، وَفَِي كُلِّ مَوْطِنٍ، وَفِي خِطْبَةِ النِّسَاءِ فَلا تَنْسَوْهُ.
(19‍) الصَّلاةُ فِي كُلِّ مَكَانٍ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا. وَلا تَجْعَلُوا قَبْرِيَ عِيدًا. وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ](2).
(20‍) آخِرَ الْقُنُوتِ:
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا حَلِيمَةَ مُعَاذًا(3) كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ
J، فِي الْقُنُوتِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي قُنُوتِ رَمَضَانَ.
فضائل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1‍) صَلاةٌ بِصَلَوَاتٍ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J قَالَ: [مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا](4).
__________
(1) سورة الأحزاب: 56 .
(2) أبوداود (2042)، وأحمد في المسند (2/367)، وحسَّنه الحافظ في تخريج الأذكار .وانظر [جامع الأصول] (4/407).
(3) هو معاذ بن الحارث الأنصاري القارئ: أقامه عمر بن الخطاب إمامًا يصلِّي بالناس في شهر رمضان صلاة التراويح . وانظر جلاء الأفهام (ص 279) .
(4) رواه مسلم برقم (408) .

(1/25)


وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ J قَالَ: [مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا](1).
وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
J يَقُولُ: [مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلاَّ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا دَامَ يُصَلِّي عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ](2).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: [مَنْ صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ
J صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَمَلائِكَتُهُ سَبْعِينَ صَلاةً فَلْيُقِلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ](3).
(2‍) رَفْعٌ لِلدَّرَجَاتِ وَحَطٌّ لِلسَّيِّئَاتِ:
__________
(1) رواه النسائي في [عمل اليوم والليلة] (ص 60)، وابن السني (283)، والبخاري في الأدب المفرد (643)، وقال النووي رحمه الله: إسناده جيّد . انظر كتاب [الأذكار] له (ص 145) . وقال ابن القيم رحمه الله: إسناده صحيح، انظر [جلاء الأفهام] (ص 295) .
(2) رواه الإمام أحمد في المسند (3/445)، وابن ماجه برقم (907) . وإسماعيل القاضي في [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 925) وحسّنه الألباني لشواهده، انظر صحيح الجامع برقم (5620)، وكذا تعليقه على كتاب [فضل الصلاة على النبيJ] (ص 25) .
(3) رواه الإمام أحمد في المسند (2/172)، قال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن، انظر مجمع الزوائد (10/160)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، انظر تخريجه على المسند برقم (6754) .

(1/26)


فَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ J يَوْمًا طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ. قَالُوا: يَارَسُولَ اللهِ: أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِكَ الْبِشْرُ. قَالَ: [أَجَلْ، أَتَانِي آتٍ مِنْ عِنْدِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلاةً، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا](1).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ](2).
(3‍) كِفَايَةُ الْهُمُومِ وَمَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ:
__________
(1) رواه الإمام أحمد في المسند (4/29)، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (57) .
(2) رواه الإمام أحمد في مسنده (3/102)، والنسائي (3/50) واللفظ له، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (6235) .

(1/27)


عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: [كَانَ رَسُولُ اللهِ J، إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: [يَاأَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ]. قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي(1)؟ فَقَالَ: [مَا شِئْتَ].قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: [إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ](2).
(4‍) سَبَبٌ لِنَيْلِ شَفَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
(1) صلاتي: قال المنذري: معناه أكْثرُ الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك، انظر الترغيب والترهيب (2/501) .
(2) رواه الترمذي برقم (2457) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الإمام أحمد في مسنده (5/136)، ورواه الحاكم في المستدرك (2/421) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 29، 30) . قال الحافظ الهيثمي: رواه أحمد وإسناده جيّد، انظر مجمع الزوائد (10/160) .

(1/28)


عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ J يَقُولُ: [إِذَا سَمْعِتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ](1).
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا، أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ](2).
عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُ الْمَقْعَدَ المُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي](3).
(5‍) سَبَبٌ لِعَرْضِ اسْمِ الْمُصَلِّي عَلَى رَسُولِ اللهِ
J:
__________
(1) رواه مسلم برقم (384) .
(2) تقدَّم تخريجه .
(3) رواه الإمام أحمد في المسند (4/108)، وقال الحافظ الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير وأسانيدهم حسنة، انظر مجمع الزوائد (10/163) .

(1/29)


فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللهَ وَكَّلَ بِي مَلَكًا عِنْدَ قَبْرِي، فَإِذَا صَلَّى عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي، قَالَ لِي ذَلِكَ الْمَلَكُ، يَامُحَمَّدُ إِنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ صَلَّى عَلَيْكَ السَّاعَةَ](1).
وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [إِنَّ للهِ تَعَالَى مَلَكًا أَعْطَاهُ سَمْعَ الْعِبَادِ، فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلاَّ أَبْلَغَنِيهَا، وَإِنَّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لا يُصَلِّيَ عَلَيَّ عَبْدٌ صَلاةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا](2).
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ
J قَالَ: [إِنَّ للهِ تَعَالَى مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلامَ](3).
(6‍) طُهْرَةٌ مِنْ لَغْوِ الْمَجْلِسِ:
__________
(1) رواه الديلمي في مسند الفردوس (1/93)، وحسَّنه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1530)، وصحيح الجامع الصغير برقم (1218) .
(2) رواه الطبراني والبزار، وحسَّنه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1530)، وأيضًا صحيح الجامع الصغير برقم (2172) .
(3) رواه الإمام أحمد في المسند (1/387، 441، 452) . والنسائي (3/43)، والدارمي برقم (2777)، والحاكم في المستدرك (2/421) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 34)، وأيضًا صححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير برقم (2170) .

(1/30)


عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللهِ وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ J، إِلاَّ قَامُوا عَنْ أَنْتَنَ مِنْ جِيفَةٍ](1).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ
J، قَالَ: [مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ(2) فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ](3).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لا يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ J، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ](4).
(7‍) سَبَبٌ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: [كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ
J](5).
(8‍) انْتِفَاءُ الْوَصْفِ بِالْبُخْلِ وَالْجَفَاءِ:
عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ
J قَالَ: [الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ](6)
__________
(1) تقدَّم تخريجه .
(2) ترة: نقص وتبعة وحسرة، انظر النهاية لابن الأثير (1/189).
(3) تقدَّم تخريجه .
(4) تقدَّم تخريجه .
(5) ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات وحسَّنه الألباني، انظر صحيح الجامع (4299) .
(6) رواه الترمذي برقم (1456) وقال: حديث حسن صحيح غريب . والنسائي في [عمل اليوم والليلة] (55، 56)، ورواه الإمام أحمد في المسند (1/201)، وابن حبان (2388) موارد، والحاكم في المستدرك (1/549) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي .
(1) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 43) . وصححه الألباني بشواهده، انظر حاشيته على الكتاب المذكور (ص 43).

(1/31)


.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J، قَالَ: [إِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ ذُكِرتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ](1).
وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الْبُخْلِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَهُ فَلا يُصَلِّي عَلَيَّ](2).
وَعَنْ قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مِنَ الْجَفَاءِ(3) أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ رَجُلٍ فَلا يُصَلِّي عَلَيَّ](4).
(9‍) دَلِيلٌ إِلَى الْجَنَّةِ:
__________
(1) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 43) . وقال مخرج الكتاب الألباني: إسناده مرسل صحيح .
(2) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 43) . وقال مخرج الكتاب الألباني: إسناده مرسل صحيح .
(3) قال الحافظ السخاوي: قوله [من الجفاء] هو بفتح الجيم والمد وهو ترك البر والصلة ويُطلَق أيضًا على غلظ الطبع، انظر كتاب [القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع] (ص 146) .
(4) قال ابن القيم رحمه الله: [لو تركنا وهذا المرسل وحده لم نحتج به، ولكن له أصول وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلاة عليه عند ذكره بخيلاً وشحيحًا، والدعاء عليه بالرغم. وهذا من موجبات جفائه، انظر كتابه [جلاء الأفهام] (ص 321)، وقال السخاوي - بعد أن أورد الحديث -: أخرجه النميري هكذا من وجهين من طريق عبدالرزاق وهو في [جامعه] ورواته ثقات، انظر كتابه [القول البديع] (ص 146) .

(1/32)


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ J: [مَنْ نَسِيَ(1) الصَّلاةَ عَلَيَّ خَطِىءَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ](2).
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ- رَحِمَهُ اللهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
J: [مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فَقَدْ خَطِىءَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ](3).
الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَمِنَ الْفَوَائِدِ وَالثَّمَرَاتِ الْحَاصِلَةِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ
J:
الأُولَى: امْتِثَالُ أَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الثَّانِيَةُ: مُوَافَقَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي الصَّلاةِ عَلَيْهِ
J، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الصَّلاتَانِ.
الثَّالِثَةُ: مُوَافَقَةُ مَلائِكَتِهِ فِيهَا.
__________
(1) من نسى الصلاة عليَّ: قال العلامة المناوي قال في الإتحاف: المراد بالنسيان هنا: الترك، نظير قوله تعالى في توبيخ الفاجر {أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى} أي: تركت آياتنا فجزاؤك أنك تُترَك من الرحمة وتُوضَع في العذاب، وليس المراد بالنسيان هنا: الذهول، لأن الناسي - أي: الذي ذهل من حفظه - غير مكلف أي ليس بمؤاخذ. انظر كتابه [فيض القدير] (6/129) بتصرف يسير .
(2) رواه ابن ماجه في سننه برقم (908)، قال الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث: أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس والبيهقي في [الشُّعب] من حديث أبي هريرة. وابن أبي حاتم من حديث جابر. والطبراني من حديث حسن بن علي. وهذه الطرق يشد بعضها بعضًا، انظر فتح الباري (11/172) . كما قوَّى الحديث لشواهده أيضًا ابن الملقن. انظر [فيض القدير] (6/232) .
(3) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه [فضل الصلاة على النبي
J] (ص 46) من عدّة أوجه . قال الحافظ بن كثير: هذا مرسل جيّد يتقوى بالذي قبله أ . هـ. يعني حديث ابن عباس عند ابن ماجه، انظر تفسير ابن كثير (3/520) .

(1/33)


الرَّابِعَةُ: حُصُولُ عَشْرِ صَلَوَاتٍ مِنَ اللهِ عَلَى الْمُصَلِّي مَرَّةً.
الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ يُرْفَعُ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ.
السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ.
السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُمْحَى عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ.
الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يُرْجَى إِجَابَةُ دُعَائِهِ إِذَا قَدَّمَهَا أَمَامَهُ، فَهِيَ تُصَاعِدُ الدُّعَاءَ إِلَى عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِشَفَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَنَهَا بِسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ، أَوْ أَفْرَدَهَا.
الْعَاشِرَةُ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِكِفَايَةِ اللهِ الْعَبْدَ مَا أَهَمَّهُ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِقُرْبِ الْعَبْدِ مِنْهُ
J يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّدَقَةِ لِذِي الْعُسْرَةِ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِصَلاةِ اللهِ عَلَى الْمُصَلِّي وَصَلاةِ مَلائِكَتِهِ عَلَيْهِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا زَكَاةٌ لِلْمُصَلِّي وَطَهَارَةٌ لَهُ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَبْشِيرِ الْعَبْدِ بِالْجَنَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : أَنَّهَا سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِرَدِّ النَّبِيِّ
J الصَّلاةَ وَالسَّلامَ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ.
الْعِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَذَكُّرِ الْعَبْدِ مَا نَسِيَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِطِيبِ الْمَجْلِسِ، وَأَن لا يَعُودَ حَسْرَةً عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

(1/34)


الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِنَفْيِ الْفَقْرِ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهَا تَنْفِي عَنِ الْعَبْدِ اسْمَ الْبُخْلِ إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهَا تَرْمِي صَاحِبَهَا عَلَى طَريقِ الْجَنَّةِ وَتُخْطِئُ بِتَارِكِهَا عَنْ طَرِيقِهَا.
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهَا تُنْجِي مِنْ نَتنِ الْمَجْلِسِ الَّذِي لا يُذْكَرُ فِيهِ اللهُ وَرَسُولُهُ وَيُحْمَدُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ فِيهِ، وَيُصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ
J.
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَمَامِ الْكَلامِ الَّذِي ابْتُدِئَ بِحَمْدِ اللهِ وَالصَّلاةِ عَلَى رَسُولِهِ.
السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِوُفُورِ نُورِ الْعَبْدِ عَلَى الصِّرَاطِ.
الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا الْعَبْدُ عَنِ الْجَفَاءِ.
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لإِبْقَاءِ اللهِ سُبْحَانَهُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ لِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّ الْمُصَلِّي طَالِبٌ مِنَ اللهِ أَنْ يُثْنِي عَلَى رَسُولِهِ وَيُكَرِّمَهُ وَيُشَرِّفَهُ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَلا بُدَّ أَنْ يَحْصلَ لِلْمُصَلِّي نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ.
الثَّلاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِلْبَرَكَةِ فِي ذَاتِ الْمُصَلِّي وَعَمَلِهِ وَعُمُرِهِ وَأَسْبَابِ مَصَالِحِهِ، لأَنَّ الْمُصَلِّي دَاعٍ رَبَّهُ أَنْ يُبَارِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَهَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ، وَالْجَزَاءُ مِن جِنْسِهِ.

(1/35)


الْحَادِيَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللهِ لَهُ، لأَنَّ الرَّحْمَةَ إِمَّا بِمَعْنَى الصَّلاةِ كَمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ، وَإِمَّا مِنْ لَوَازِمِهَا وَمُوجِبَاتِهَا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، فَلا بُدَّ لِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ رَحْمَةٍ تَنَالُهُ.
الثَّانِيَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِدَوَامِ مَحَبَّتِهِ لِلرَّسُولِ
J وَزِيَادَتِهَا وَتَضَاعُفِهَا، وَذَلِكَ عَقْدٌ مِنْ عُقُودِ الإِيمَانِ الَّذِي لا يَتِمُّ إِلاَّ بِهِ، لأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَحْبُوبِ وَاسْتِحْضَارِهِ فِي قَلْبِهِ وَاسْتِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ وَمَعَانِيهِ الْجَالِبَةِ لِحُبِّهِ تَضَاعَفَ حُبُّهُ لَهُ وَتَزَايَدَ شَوْقُهُ إِلَيْهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ قَلْبِهِ، وَإِذَا أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ وَإِحْضَارِهِ وَإِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ بِقَلْبِهِ، نَقَصَ حُبُّهُ مِنْ قَلْبِهِ، وَلا شَيْءَ أَقَرُّ لِعَيْنِ الْمُحِبِّ مِنْ رُؤْيَةِ مَحْبُوبِهِ، وَلا أَقَرَّ لِقَلْبِهِ مِنْ ذِكْرِهِ وَإِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ، فَإِذَا قَوِيَ هَذَا فِي قَلْبِهِ، جَرَى لِسَانُهُ بِمَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَذِكْرِ مَحَاسِنِهِ، وَتَكُونُ زِيَادَةُ ذَلِكَ وَنُقْصَانُهُ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْحُبِّ وَنُقْصَانِهِ فِي قَلْبِهِ، وَالْحِسُّ شَاهِدٌ بِذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ
J سَبَبٌ لِمَحَبَّتِهِ لِلْعَبْدِ، فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ سَبَبًا لِزِيَادَةِ مَحَبَّةِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ لَهُ، فَكَذِلِكَ هِيَ سَبَبٌ لِمَحَبَّتِهِ هُوَ لِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ J.

(1/36)


الرَّابِعَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِهِدَايَةِ الْعَبْدِ وَحَيَاةِ قَلْبِهِ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا أَكْثَرَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ، اسْتَوْلَتْ مَحَبَّتُهُ عَلَى قَلْبِهِ، حَتَّى لا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مُعَارَضَةٌ لِشَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِهِ، وَلا شَكَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ، بَلْ يَصِيرُ مَا جَاءَ بِهِ مَكْتُوبًا مَسْطُورًا فِي قَلْبِهِ، لا زَالَ يَقْرَؤُهُ عَلَى تَعَاقُبِ أَحْوَالِهِ، وَيَقْتَبِسُ الْهُدَى وَالْفَلاحَ وَأَنْوَاعَ الْعُلُومِ مِنْهُ، وَكُلَّمَا ازْدَادَ فِي ذَلِكَ بَصِيرَةً وَقُوَّةَ مَعْرِفَةٍ، ازْدَادَتْ صَلاتُهُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْخَامِسَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِعَرْضِ اسْمِ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذِكْرِهِ عِنْدَهُ.
السَّادِسَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَثْبِيتِ الْقَدَمِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالْجَوَازِ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ
J وَفِيهِ: [وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ عَلَى الصِّرَاطِ وَيَحْبُو أَحْيَانًا وَيَتَعَلَّقُ أَحْيَانًا، فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ عَلَيَّ فَأَقَامَتْهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَأَنْقَذَتْهُ](1).
السَّابِعَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ
J أَدَاءٌ لأَقَلِّ الْقَلِيلِ مِنْ حَقِّهِ، مَعَ أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ لا يُحْصَى عِلْمًا وَلا قُدْرَةً، وَلا إِرَادَةً، وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لِكَرَمِهِ رَضِيَ مِنْ عِبَادِهِ بِالْيَسِيرِ مِنْ شُكْرِهِ وَأَدَاءِ حَقِّهِ.
__________
(1) رواه أبوموسى المديني وبنى عليهكتابه "الترغيب والترهيب" وقال: هذا حديث حسن جدًّا ، وانظر جلاء الأفهام (ص368).

(1/37)


الثَّامِنَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَشُكْرِهِ، وَمَعْرِفَةِ إِنْعَامِهِ عَلَى عَبِيدِهِ بِإِرْسَالِهِ، فَالْمُصَلِّي عَلَيْهِ J قَدْ تَضَمَّنَتْ صَلاتُهُ عَلَيْهِ ذِكْرَ اللهِ وَذِكْرَ رَسُولِهِ، وَسُؤَالَهُ أَنْ يَجْزِيَهُ بِصَلاتِهِ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ كَمَا عَرَّفْتَنَا رَبَّنَا وَأسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وَهَدَانَا اللهُ بِهَا إِلَى طَرِيقِ مَرْضَاتِهِ، وَعَرَّفَنَا جَلَّ جَلاَلُهُ مَا لَنَا بَعْدَ الْوصُولِ إِلَيْهِ، وَالْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِكُلِّ الإِيمَانِ، بَلْ هِيَ مُتَضَمَّنَةٌ لِلإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الرَّبِّ الْمَدْعُوِّ وَعِلْمِهِ وَسَمْعِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَكَلامِهِ، وَإِرْسَالِ رَسُولِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِي أَخْبَارِهِ كُلِّهَا، وَكَمَالِ مَحَبَّتِهِ، وَلا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ أُصُولُ الإِيمَانِ، فَالصَّلاةُ عَلَيْهِ J مُتَضَمِّنَةٌ لِعِلْمِ الْعَبْدِ ذَلِكَ، وَتَصْدِيقِهِ بِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، فَكَانَتْ مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ.
التَّاسِعَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ
J مِنَ الْعَبْدِ هِيَ دُعَاءٌ، وَدُعَاءُ الْعَبْدِ وَسُؤالُهُ مِنْ رَبِّهِ نَوْعَانِ:
أحَدُهُمَا: سُؤَالُهُ حَوَاِئجَهُ وَمُهِمَّاتِهِ وَمَا يَنُوبُهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَهَذَا دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ، وَإِيثَارٌ لِمَحْبُوبِ الْعَبْدِ وَمَطْلُوبِهِ.

(1/38)


وَالثَّانِي: سُؤالُهُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى خَلِيلِهِ وَحَبِيبِهِ، وَيَزِيدَ فِي تَشْرِيفِهِ وَتَكْرِيمِهِ وَإِيثَارِهِ ذِكْرَهُ، وَرَفْعِهِ، وَلا رَيْبَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ يُحِبُّهُ، فَالْمُصَلِّي عَلَيْهِ J قَدْ صَرَفَ سُؤَالَهُ وَرَغْبَتَهُ وَطَلَبَهُ إِلَى مَحَابِّ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَآثَرَ ذَلِكَ عَلَى طَلَبِهِ حَوَائِجَهُ وَمَحَابَّهُ هُوَ، بَلْ كَانَ هَذَا الْمَطْلُوبُ مِنْ أَحَبِّ الأُمُورِ إِلَيْهِ وَآثَرِهَا عِنْدَهُ، فَقَدْ آثَرَ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ هُوَ، فَقَدْ آثَرَ اللهَ وَمَحَابَّهُ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ. فَمَنْ آثَرَ اللهَ عَلَى غَيْرِهِ، آثَرَهُ اللهُ عَلَى غَيْرِهِ.
افتتاح صلاة المصلي بقوله"اللهم" ومعنى ذلك(1)
لاَ خِلاَفَ أَنَّ لَفْظَةَ [اللَّهُمَّ] مَعْنَاهَا [يَا اللهُ] وَلِهَذَا لاَ تُسْتَعْمَلُ إِلاَّ فِي الطَّلِبِ، فَلا يُقَالُ: اللَّهُمَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ، بَلْ يُقَالُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي.
وَاخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ آخِرِ الاسْمِ:
__________
(1) قال تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56).
……في هذه الآية القرآنية المباركة، أمر الله تعالى بالصَّلاة والسَّلام على رسوله محمد
J، وقد بيّن صلوات الله وسلامه عليه كيفية الصلاة عليه بقوله: [قولوا: اللَّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ..] (الحديث: تقدم تخريجه).
……فما معنى قول المصلِّي [اللَّهم] في افتتاح صلاته على رسول الله
J، وقد وضَّح المؤلف - رحمه الله - معنى هذه اللفظة وشَرحَهَا شَرْحًا وافيًا فليُتنبَّه إليه فإنه مهم.

(1/39)


فَقَالَ: سِيبَوَيْهِ: زِيدَتْ عِوَضًا مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ وَلِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي اخْتِيَارِ الْكَلاَمِ، لا يُقَالُ: [يَا اللَّهُمَّ] إِلاَّ فِيمَا نَدَرَ.
وَقِيلَ: الْمِيمُ عِوَضٌ عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ: [يَا اللهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ] أَيْ: اقْصِدْنَا، ثُمَّ حُذِفَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ، فَبَقِيَ فِي التَّقْدِيرِ: يَا اللهُ أُمَّ] ثُمَّ حَذَفُوا الْهَمْزَةَ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِ هَذَا الاسْمِ فِي الدُّعَاءِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، فَبَقِيَ [يَا اللَّهُمَّ]، وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ. وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يُجوِّزُ دُخُولَ [يَا] عَلَيْهِ، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَمَا عَلَيْكِ أَنْ تَقُولِي كُلَّمَا صَلَّيْتِ أَوْ سَبَّحْتِ يَا اللَّهُمَّا
اردُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّمَا(1).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَرَدَّ الْبَصْرِيُّونَ هَذَا بِوُجُوهٍ(2).
وَقِيلَ: زِيدَتِ الْمِيمُ لِلتَّعظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ، كَزِيَادَتِهَا فِي [زُرْقُمْ](3) لِشَدِيدِ الزُّرْقَةِ [وابْنُمٍ] فِي الابْنِ.
__________
(1) الشيخ هنا: الأب والزوج.
(2) هذه الوجوه ذكرها المؤلف مفصَّلة وهي (عشرة وجوه) ختمها بقوله: [فهذا كله لا يسوغ فيه التقدير الذي ذكروه].
(3) وذكر ابن فارس في المقاييس: الزُّرْقُم، أجمع أهل اللغة أن أصله من الزَّرَقِ، فإن الميم فيه زائدة - (المقاييس 3/52).

(1/40)


قَالَ الْمُؤَلِّفَ - رَحِمَهُ اللهُ -: [الْمِيمُ] حَرْفٌ شَفَهِيٌّ يَجْمَعُ النَّاطِقُ بِهِ شَفَتَيْهِ، فَوَضَعَتْهُ الْعَرَبُ عَلَمًا عَلَى الْجَمْعِ، فَقَالُوا لِلْوَاحِدِ: [أَنْتَ] فَإِذَا جَاوَزُوهُ إِلَى الْجَمْعِ قَالُوا [أَنْتُمْ]، وَقَالُوا لِلْوَاحِدِ الْغَائِبِ [هُوَ] فَإِذَا جَاوَزُوهُ إِلَى الْجَمْعِ قَالُوا: [هُمْ] وَكَذَلِكَ فِي الْمُتَّصِلِ يَقُولُونَ: ضَرَبْتَ، وَضَرَبْتُمْ، وَإِيَّاكَ، وَإِيَّاكُمْ، وَإِيَّاهُ، وَإِيَّاهُمْ، وَنَظَائِرُهُ نَحْوَ: بِهِ وَبِهِمْ، وَيَقُولُونَ لِلشَّيْءِ الأَزْرَقِ: أَزْرَقُ، فَإِذَا اشْتَدَّتْ زُرْقَتُهُ، وَاسْتَحْكَمَتْ، قَالُوا: زُرْقُمْ، وَيَقُولُونَ لِلْكَبِيرِ الاسْتِ: سُتْهُمْ.

(1/41)


وَتَأَمَّل الأَلْفَاظَ الَّتِي فِيهَا الْمِيمُ كَيْفَ تَجِدُ الْجَمْعَ مَعْقُودًا بِهَا مِثْلَ [لَمَّ الشَّيْءَ يَلُمُّهُ]: إِذَا جَمَعَهُ، وَمِنْهُ [لَمَّ اللهُ شَعثَهُ] أَيْ جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أُمُورِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ [دَارٌ لَمُومَةٌ] أَيْ: تَلُمُّ النَّاسَ وَتَجْمَعُهُمْ، وَمِنْهُ {أَكْلاً لَّمًّا}(1). جَاءَ فِي تَفْسِيرِهَا يَأْكُلُ نَصِيبَهُ وَنَصِيبَ صَاحِبِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ [اللَّمِّ] وَهُوَ الْجَمْْعُ، كَمَا يُقَالُ: لَفَّهُ يَلُفُّهُ، وَمِنْهُ أَلَمَّ بِالشَّيْءِ: إِذَا قَارَبَ الاجْتِمَاعَ بِهِ وَالْوُصُولَ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ [اللَّمَمُ] وَهُوَ مُقَارَبَةُ الاجْتِمَاعِ بِالْكَبَائِرِ، وَمِنْهُ الْمُلِمَّةُ وَهِيَ النَّازِلَةُ الَّتِي تُصِيبُ الْعَبْدَ، وَمِنْهُ [اللِّمَّةُ] وَهِيَ الشَّعْرُ الَّذِي قَدِ اجْتَمَعَ، وَتَقَلَّصَ حَتَّى جَاوَزَ شَحْمَةَ الأُذُنِ، وَمِنْهُ: (تَمَّ الشَّيْءُ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا، وَمِنْهُ بَدْرُ التِّمِّ إِذَا كَمُلَ وَاجْتَمَعَ نُورُهُ، وَمِنْهُ التَّوْأَمُ لِلْوَلَدَيْنِ الْمُجْتَمِعَيْنِ فِي بَطْنٍ، وَمِنْهُ الأُمُّ، وَأُمُّ الشَّيْءِ أَصْلُهُ الَّذِي تَفَرَّعَ مِنْهُ، فَهُوَ الْجَامِعُ لَهُ، وَبِهِ سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى، وَالْفَاتِحَةُ أُمَّ الْقُرْآنِ، وَاللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ أُمَّ الْكِتَابِ، قَالَ الْجَوْهِريُّ: أُمُّ الشَّيْءِ أَصْلُهُ، وَمَكَّةُ أُمُّ الْقُرَى، وَأُمُّ مَثْوَاكَ: صَاحِبَةُ مَنْزِلِكَ، يَعْنِي الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا، وَتَجْتَمِعُ مَعَهَا، وَأُمُّ الدِّمَاغِ: الْجِلْدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ، وَيُقَالُ لَهَا: أُمُّ الرَّأْسِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}(2). وَالأُمَّةُ: الْجَمَاعَةُ
__________
(1) سورة الفجر: 19 .
(2) سورة آل عمران: 7 .

(1/42)


الْمُتَسَاوِيَةُ فِي الْخِلْقَةِ وَالزَّمَانِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}(1)، وَقَالَ النَّبِيُّ J: [لَوْلاَ أَنَّ الْكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا](2).
وَمِنْهُ الإِمَامُ الَّذِي يَجْتَمِعُ الْمُقْتَدُونَ بِهِ عَلى اتِّبَاعِهِ، وَمِنْهُ: أَمَّ الشَّيْءَ يَؤُمُّهُ: إِذَا اجْتَمَعَ قَصْدُهُ، وَهَمُّهُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ: رَمَّ الشَّيْءَ يَرُمُّهُ: إِذَا أَصْلَحَهُ، وَجَمَعَ مُتَفِرِّقَهُ،. قِيلَ: وَمِنْهُ سُمِّيَ الرُّمَّانُ لاجْتِمَاعِ حَبِّهِ وَتَضَامِّهِ.
وَمِنْهُ: ضَمَّ الشَّيْءَ يَضُمُّهُ، إِذَا جَمَعَهُ، وَمِنْهُ هَمُّ الإِنْسَانِ وَهُمُومُهُ وَهِيَ إِرَادَتُهُ وَعَزَائِمُهُ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِي قَلْبِهِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلأَسْوَدِ: أَحَمُّ وَلِلْفَحْمَةِ السَّوْدَاءِ: (حُمَمَةٌ)، وَحَمَّمَ رَأْسَهُ: إِذَا اسْوَدَّ بَعْدَ حَلْقِهِ، كُلُّ هَذَا لأَنَّ السَّوَادَ لَوْنٌ جَامِعٌ لِلْبَصَرِ لا يَدَعُهُ يَتَفَرَّقُ، وَلِهَذَا يُجْعَلُ عَلَي عَيْنَيِ الضَّعِيفِ الْبَصَرِ لِوَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ شَيْءٌ أَسْوَدُ مِنْ شَعَرٍ أَوْ خِرْقَةٍ، لِيَجْمَعَ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، فَتَقْوَى الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ، وَهَذَا بَابٌ طَوِيلٌ فَلْنَقْتَصِرْ مِنْهُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ.
__________
(1) سورة الأنعام: 38 .
(2) أخرجه الترمذي (1486) والنسائي (7/185)، وابن ماجه (3205) والدرامي (2/90)، وأبوداود (2845) من حديث عبدالله بن مغفل، وتمامه [فاقتلوا منها كل أسود بهيم ومن من أهل أبيت يرتبطون كلبًا إلاَّ نقص من عملهم كل يوم قيراط إلاَّ كلب صيد أو كلب حرث، أو كلب غنم] ورجاله ثقات، وقال الترمذي: حسن صحيح .وانظر [جامع الأصول] (10/238ـ239).

(1/43)


وَإِذَا عُلِمَ هَذَا مِنْ شأْنِ الْمِيمِ، فَهُمْ أَلْحَقُوهَا فِي آخِرِ هَذَا الاِسْمِ الَّذِي يُسْأَلُ اللهُ سُبْحَانَهُ بِهِ فِي كُلِّ حَاجَةٍ وَكُلِّ حَالٍ إِيذَانًا بِجَمِيعِ أَسْمَائهِ وَصِفَاتِهِ. فَالسَّائِلُ إِذَا قَالَ: [اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ] كَأَنَّهُ قَالَ: أَدْعُو اللهَ الَّذِي لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَأَتَى بِالْمِيمِ الْمُؤْذِنَةِ بِالْجَمْعِ فِي آخِرِ هَذَا الاِسْمِ إِيذَانًا بِسُؤَالِهِ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ كُلِّهَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ J فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: [مَا أَصَابَ عَبْدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حُزْنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي، إِلاَّ أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَغَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا]، قَالُوا: يَارَسُولَ اللهِ أَفَلا نَتَعَلَّمُهُنَّ؟ قَالَ: [بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ](1).
__________
(1) أخرجه أحمد (712) وابن حبان (2372) والحاكم (1/509) من حديث ابن مسعود، وقال الأرناؤوط سنده صحيح.

(1/44)


فَالدَّاعِي مَنْدُوبٌ إِلَى أَنْ يَسْأَلَ اللهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ كَمَا فِي الاِسْمِ الأَعْظَمِ [اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ](1).
وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ تَتَضَمَّنُ الأَسْمَاءَ الْحُسْنَى كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالدُّعَاءُ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يُسْأَلَ اللهُ تَعَالَى بِأَسْمَائهِ وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(2).
وَالثَّانِي: أَنْ تَسْأَلَهُ بِحَاجَتِكَ وَفَقْرِكَ، وَذُلِّكَ، فَتَقُولَ: أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الْمِسْكِينُ الْبَائِسُ الذَّلِيلُ الْمُسْتَجِيرُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ تَسْأَلَ حَاجَتَكَ وَلا تَذْكُرَ وَاحِدًا مِنَ الأَمْرَيْنِ، فَالأَوَّلُ أَكْمَلُ مِنَ الثَّانِي، وَالثَّانِي أَكْمَلُ مِنَ الثَّالِثِ، فَإِذَا جَمَعَ الدُّعَاءُ الأُمُورَ الثَّلاثَةَ كَانَ أَكْمَلَ.
__________
(1) أخرجه أبوداود (1495) والنسائي 3/25، وابن ماجه (3858)، من حديث أنس ابن مالك، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2382) والحاكم (1/305، 504) ووافقه الذهبي .
(2) سورة الأعراف: 180 .

(1/45)


وَهَذِهِ عَامَّةُ أَدْعِيَةِ النَّبِيِّ J، وَفِي الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَهُ صِدِّيقَ الأُمَّةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ذِكْرُ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: [ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا]، وَهَذا حَالُ السَّائِلِ ثُمَّ قَالَ: [وَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرِ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ]، وَهَذَا حَالُ الْمَسْؤُولِ، ثُمَّ قَالَ: [فَاغْفِرْ لِي](1) فَذَكَرَ حَاجَتَهُ، وَخَتَمَ الدُّعَاءَ بِاسْمَيْنِ مِنَ الأَسْمَاءِ الْحُسْنَى تُنَاسِبُ الْمَطْلُوبَ وَتَقْتَضِيهِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ جَاءَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: [اللَّهُمَّ] مَجْمَعُ الدُّعَاءِ، وَقَالَ أَبُورَجَاءٍ العطَارِدِيُّ: إِنَّ الْمِيمَ فِي قَوْلِهِ [اللَّهُمَّ] فِيهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى: وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَنْ قَالَ [اللَّهُمَّ] فَقَدْ دَعَا اللهَ بِجَمِيعِ أَسْمَائهِ.
بيان معنى الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم
قَالَ الْمُؤَلِّفُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: أَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي اللُّغَةِ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدِهِمَا: الدُّعَاءُ وَالتَّبْرِيكُ.وَالثَّانِي: العِبَادَةُ، فَمِنَ الأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ}(2).
__________
(1) أخرجه البخاري (الفتح 2/834)، ومسلم (2705) من حديث أبي بكر الصدِّيق أنه قال لرسول الله
J: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: [قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم].
(2) سورة التوبة: 103.

(1/46)


وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي حَقِّ المُنَافِقِينَ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}(1). وَقَوْلُ النَّبِيِّ J: [إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الطَّعَامِ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ](2) فُسِّرَ بِهِمَا، قِيلَ [فَلْيَدْعُ لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ] وَقِيلَ: [يُصَلِّي عِنْدَهُمْ] بَدَلَ أَكْلِهِ.
وَقِيلَ: [إِنَّ الصَّلاَةَ] فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهَا الدُّعَاءُ.
وَالدُّعَاءُ نَوْعَانِ: دُعَاءُ عِبَادَةٍ، وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ، وَالْعَابِدُ دَاعٍ، كَمَا أَنَّ السَّائِلَ دَاعٍ، وَبِهِمَا فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ}(3). قِيلَ: أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ، وَقِيلَ: سَلُونِي أُعْطِكُمْ، وَفُسِّرَ بِهِمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(4).
وَالصَّوَابُ: أَنَّ الدُّعَاءَ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ: وَهَذَا لَفْظٌ مُتَوَاطِيءٌ لاَ اشْتِرَاكَ فِيهِ، فَمِنَ اسْتِعْمَالِهِ فِي دُعَاءِ الْعِبَادَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّنْ دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ}(5) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}(6). وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ مَا يَعْبَؤُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ}(7).
__________
(1) سورة التوبة: 84.
(2) أخرجه أحمد (2/507) ومسلم (1431).
(3) سورة غافر: 60.
(4) سورة البقرة: 186.
(5) سورة سبأ: 22.
(6) سورة النحل: 20.
(7) سورة الفرقان: 77.

(1/47)


وَالصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَدْعُونَهُ وَتَعْبُدُونَهُ، أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يَعْبَأُ بِكُمْ لَوْلاَ عِبَادَتُكُمْ إِيَّاهُ، فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ، وَقَالَ تَعَالَى، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}(1) وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ أَنْبِيائِهِ ورُسُلِهِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}(2). وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَحْسَنُ مِنَ الطَّرِيقَةِ الأُولَى، وَدَعْوى الاِخْتِلاَفِ فِي مُسَمَّى الدُّعَاءِ وَبِهَذَا تَزُولُ الإِشْكَالاَتُ الْوَارِدَةُ عَلَى اسْمِ الصَّلاَةِ الشَّرْعِيَّةِ، هَلْ هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَوْضِعِهِ فِي اللُّغَةِ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أَوْ مَجَازًا شَرْعِيًّا.
فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّلاَةُ بَاقِيةً عَلَى مُسَمَّاهَا فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ الدُّعَاءُ، وَالدُّعَاءُ: دُعَاءُ عِبَادَةٍ، وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ، وَالْمُصَلِّي مِنْ حِينِ تَكْبِيرِهِ إِلَى سَلاَمِهِ بَيْنَ دُعَاءِ الْعِبَادَةِ وَدُعَاءِ الْمَسْأَلَةِ، فَهُوَ فِي صَلاَةٍ حَقِيقِيَّةٍ لاَ مَجَازٍ، وَلاَ مَنْقُولَةٍ، لَكِنْ خُصَّ اسْمُ الصَّلاَةِ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَسَائِرِ الأَلْفَاظِ الَّتِي يَخُصُّهَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ بِبَعْضِ مُسَمَّاهَا كَالدَّابَةِ، والرَّأْسِ، وَنَحْوِهِمَا، فَهَذَا غَايَتُهُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ وَقَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ مَوْضُوعِهِ، وَلِهَذَا لاَ يُوجِبُ نَقْلاً وَلاَ خُرُوجًا عَنْ مَوْضُوعِهِ الأَصْلِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
صَلاَةُ اللهِ عَلَى عَبْدِهِ:
__________
(1) سورة الأعراف: 55، 56.
(2) سورة الأنبياء: 90.

(1/48)


هَذِهِ صَلاَةُ الآدَمِيِّ، وأَمَّا صَلاَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عَبْدِهِ فَنَوْعَانِ: عَامَّةٌ، وَخَاصَّةٌ.
أَمَّا الْعَامَّةُ: فَهِي صَلاَتُهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}(1)، وَمِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ
J بِالصَّلاَةِ عَلَى آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ كَقَوْلِهِ: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى](2)، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ: صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زوْجِي. قَالَ: [صَلَّى اللهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ](3).
النَّوْعُ الثَّانِي: صَلاَتُهُ الْخَاصَّةُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ خُصُوصًا عَلَى خَاتَمِهِمْ وَخَيْرِهِمْ مُحَمَّدٍ
J.
فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى الصَّلاَةِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا رَحْمَتُهُ.
__________
(1) سورة الأحزاب: 43.
(2) أخرجه البخاري (الفتح 13/7941)، ومسلم (1078) من حديث عبدالله بن أبي أوفى، وقوله: [اللهم صل على آل أبي أوفى] يريد أبا أوفى نفسه، لأن الآل يطلق على ذات الشيء واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي شهد هو وابنه عبدالله بيعة الرضوان تحت الشجرة، وعمِّر عبدالله إلى أن كان آخر من مات من الصحابة بالكوفة، وذلك سنة سبع وثمانين..
(3) أخرجه الدارمي (1/24) ضمن حديث مطول عن جابر ابن عبدالله، وقال الأرناؤوط رجاله ثقات

(1/49)


قَالَ إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: صَلاَةُ اللهِ رَحْمَتُهُ، وَصَلاَةُ الْمَلائِكَةِ الدُّعَاءُ(1)، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْلُ الصَّلاَةِ الرَّحْمَةُ، فَهِيَ مِنَ اللهِ رَحْمَةٌ، ومِنَ الْمَلائِكَةِ رِقَّةٌ، وَاسْتِدْعاءٌ لِلرَّحْمَةِ مِنَ اللهِ، وهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتأَخِّرِينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي(2): أَنَّ صَلاَةَ اللهِ مَغْفِرَتُهُ.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) قَالَ: صَلاَةُ اللهِ: مَغْفِرتُهُ، وَصَلاَةُ الْمَلائِكَةِ الدُّعَاءُ(3).
وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الْعالِيَةِ قَالَ: صَلاَةُ اللهِ عَلَى رَسُولِهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلاَئِكَةِ(4).
__________
(1) فضل الصلاة على النبي رقم (69) وسنده ضعيف جدا، جويبر هو ابن سعيد الأزدي البلخي، قال في [التقريب]: ضعيف جدًا. وانظر جلاء الأفهام ص(109).
(2) ذكر ابن القيم أن هذا القول من جنس الذي قبله، وقد ضعفها من عدة وجوه. للمراجعة انظر: جلاء الأفهام ص109.
(3) فضل الصلاة على النبي رقم (97) وهو كسابقه ضعيف جدًّا.
(4) البخاري 8/409 تعليقًا بصيغة الجزم، ووصله إسماعيل القاضي كما ذكره المؤلف رقم (95) وسنده قابل للتحسين.

(1/50)


وَقَالَ إِسْمَاعيلُ فِي كِتَابِهِ، حدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)(1) قَالَ: صَلاَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَصَلاَةُ الْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِ: الدُّعَاءُ.
فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الصَّلاَةِ:هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى الرَّسُولِ،وَالْعِنَايَةُ بِهِ،وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ وَحُرْمَتِهِ،كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ،لَمْ يَكُنْ لَفْظُ [الصَّلاَةِ] فِي الآيَةِ مُشْتَركًا محْمُولاً عَلَى مَعْنَيَيْهِ،بَلْ يَكُونُ مُسْتَعْمَلاً فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهَذَا هُوَ الأَصْلُ.
وَقِيلَ الصَّلاَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}(2) هِيَ الطَّلَبُ مِنَ اللهِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ صَلاَتِهِ وَصَلاةِ مَلاَئِكَتِهِ، وَهِيَ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ، وَإِظْهَارٌ لِفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وإِرَادَتِهِ تَكْرِيمَهُ وَتَقْرِيبَهُ، فَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْخَبَرَ والطَّلَبَ، وَسُمِّيَ هَذَا السُّؤَالُ والدُّعَاءُ مِنَّا نَحْنُ صَلاَةً عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ثَنَاءَ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ، وَالإِشَادَةَ بِذِكْرِ شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ والإِرَادَةَ والْمَحَبَّةَ لِذَلِكَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَقَدْ تَضَمَّنَتِ الْخَبَرَ وَالطَّلَبَ.
__________
(1) سورة الأحزاب: 56.
(2) سورة الأحزاب: 56.

(1/51)


وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ سُمِّيَ مِنَّا صَلاَةً، لِسُؤالِنَا مِنَ اللهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَصَلاَةُ اللهِ عَلَيْهِ: ثَنَاؤُهُ وَإِرَادَتُهُ لِرَفْعِ ذِكْرِهِ وَتَقْرِيبِهِ، وَصَلاَتُنَا نَحْنُ عَلَيْهِ سُؤَالُنَا اللهَ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قَالَ: يُبَارِكُونَ عَلَيْهِ، فَهَذَا لاَ يُنَافِي تَفْسِيرَهَا بِالثَّنَاءِ، وَإِرَادَةِ التَّكْرِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، فَإِنَّ التَّبْرِيكَ مِنَ اللهَ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قُرِنَ بَيْنَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَالتَّبْرِيكِ عَلَيْهِ، وَقَالَتِ المَلاَئِكَةُ لإِبْرَاهِيمَ: {رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}(1)، وَقَالَ الْمَسِيحُ: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ}(2)، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا كُنْتُ، وَهَذَا جُزْءُ الْمُسَمَّى، فَالْمُبَارَكُ كَثِيرُ الْخَيْرِ فِي نَفْسِهِ الَّذِي يُحَصِّلُهُ لِغَيْرِهِ تَعْلِيمًا، وَإِقْدَارًا وَنُصْحًا، وإِرَادَةً وَاجْتِهَادًا، وَلِهَذَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُبَارَكًا، لأَنَّ اللهَ بَارَكَ فِيهِ، وَجَعَلَهُ كَذَلِكَ، وَاللهُ تَعَالَى مُتَبَارَكٌ، لأَنَّ الْبَرَكَةَ كُلَّهَا مِنْهُ، فَعَبْدُهُ مُبَارَكٌ وَهُوَ الْمُتَبَارَكُ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(3).
معنى اسم النبي صلى الله عليه وسلم واشتقاقه
__________
(1) سورة هود: 73.
(2) سورة مريم: 31.
(3) سورة الملك: 1.

(1/52)


هَذَا الاِسْمُ هُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ J، وَهُوَ اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنَ الْحَمْدِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَى الْمَحْمُودِ، وَمَحَبَّتَهُ، وإِجْلاَلَهُ، وَتَعْظِيمَهُ. هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْحَمْدِ، وَبُنِيَ عَلَى زِنَةِ [مُفَعَّلٍ] مِثْلَ: مُعَظَّمٍ، ومُحَبَّبٍ، وَمُسَوَّدٍ، وَمُبَجَّلٍ، وَنَظَائِرِهِمَا، لأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ مَوْضُوعٌ لِلتَّكْثِيرِ، فَإِنِ اشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُ فَاعِلٍ، فَمَعْنَاهُ مَنْ كَثُرَ صُدُورُ الْفِعْلِ مِنْهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كَمُعَلِّمٍ، وَمُفَهِّمٍ، وَمُبَيِّنٍ، وَمُخَلِّصٍ، وَمُفَرِّجٍ وَنَحْوَهَا، وإِنِ اشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُ مَفْعُولٍ، فَمَعْنَاهُ مَنْ كَثُرَ تِكْرَارُ وُقُوعِ الفِعْلِ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إِمَّا اسْتِحْقَاقًا أَوْ وُقُوعًا. فَمُحَمَّدٌ هُوَ: كَثُرَ حَمْدُ الْحَامِدِينَ لَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، أَوِ الَّذي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ مَرَّةَ بَعْدَ أُخْرَى.
وَيُقَالُ: حُمِّدَ، فَهُوَ مُحَمَّدٌ، كَمَا يُقَالُ: عُلِّمَ فَهُوَ مُعَلَّمٌ، وَهَذَا عَلَمٌ وَصِفَةٌ اجْتَمَعَ فِيهِ الأَمْرَانِ فِي حَقِّهِ
J وَإِنْ كَانَ عَلَمًا مَحْضًا فِي حَقِّ كَثِيرٍ مِمَّنْ تَسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ.
وَهَذَا شَأْنُ أَسْمَاءِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَأَسْمَاءِ كِتَابِهِ، وَأَسْمَاءِ نَبِيِّهِ، هِيَ أَعْلاَمٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ هِيَ بِهَا أَوْصَافٌ، فَلاَ تُضَادُّ فِيهَا الْعَلَمِيَّةُ الْوَصْف، بِخِلاَفِ غَيْرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْمَخْلُوقِينَ، فَهُوَ اللهُ، الْخَالِقُ الْبَارِيءُ، المُصَوِّرُ، الْقَهَّارُ، فَهَذِهِ أَسْمَاءٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ هِيَ صِفَاتُهُ وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ، وَالْكِتَابُ الْمُبِينُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ.

(1/53)


وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ النَّبِيِّ J: [مُحَمَّدٌ، وأَحْمَدُ، وَالْمَاحِي] وَفي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعمٍ عَنِ النَّبيِّ J أَنَّهُ قَالَ: [إنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وأَنَا أَحْمَدُ، وأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ](1).
فَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ
J هَذِهِ الأَسْمَاءَ مُبَيِّنًا مَاخَصَّهُ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَضْلِ، وَأَشَارَ إِلَى مَعَانِيهَا، وَإِلاَّ فَلَوْ كَانَتْ أَعْلاَمًا مَحْضَةً لاَ مَعْنَى لَهَا، لَمْ تَدُلَّ عَلَى مَدْحٍ، وَلِهَذَا قَالَ حَسَّانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
وَشقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ …… فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
__________
(1) أخرجه البخاري (الفتح 8/4896) ومسلم (2354).

(1/54)


وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَتَسْمِيَتُهُ J بِهَذَا الاِسْمِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مُسَمَّاهُ وَهُوَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ J مَحْمُودٌ عِنْدَ اللهِ، وَمَحْمُودٌ عِنْدَ ملاَئِكَتِهِ، وَمَحْمُودٌ عِنْدَ إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَمَحْمُودٌ عِنْدَ أَهْلِ الأَرضِ كُلِّهِمْ، وَإِنْ كَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فإِنَّ مَا فِيهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ مَحْمُودَةٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ، وَإِنْ كَابَرَ عَقْلُهُ جُحُودًا، أَوْ عِنَادًا، أَوْ جَهْلاً بِاتِّصَافِهِ بِهَا، وَلَوْ عَلِمَ اتِّصَافَهُ بِهَا، لَحَمِدَهُ فَإِنَّهُ يَحْمَدُ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَيجْهَلُ وُجُودَهَا فِيهِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَامِدٌ لَهُ؛ وَهُوَ J اخْتُصَّ مِنْ مُسَمَّى [الحَمْدِ] بِمَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ، وَأُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ يَحْمَدُونَ اللهَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَصَلاَةُ أُمَّتِهِ مُفْتَتَحَةٌ بِالْحَمْدِ، وَخُطْبَتُهُ مُفْتَتَحةٌ بِالْحَمْدِ، وَكِتَابُهُ مُفْتَتَحٌ بِالْحَمْدِ، هَكَذا عِنْدَ اللهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّ خُلَفَاءَهُ وأَصْحَابَهُ يَكْتُبُونَ الْمُصْحَفَ مُفْتَتَحًا بِالْحَمْدِ، وَبِيَدِهِ J لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمَّا يَسْجُد بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلشَّفَاعَةِ، وَيُؤْذَنُ لَهُ فِيهَا يَحْمَدُ رَبَّهُ بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}(1).
__________
(1) سورة الإسراء: 79.

(1/55)


وَمَنْ أَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَى مَعْنَى الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، فَلْيَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَ سَلَفُ الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ كَتَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنِ جَرِيرٍ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهَا مِنْ تَفَاسِيرِ السَّلَفِ.
وَإِذَا قَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، حَمِدَهُ حِينَئِذٍ أَهْلُ الْمَوْقِفِ كُلُّهُمْ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ أَوَّلُهُمْ وآخِرُهُمْ، وَهُوَ مَحْمُودٌ
J بِمَا مَلأَ الأَرْضَ مِنَ الْهُدَى وَالإِيمَانِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَفَتَحَ بِهِ الْقُلُوبَ، وَكَشَفَ بِهِ الظُّلْمَةَ عَنْ أَهْلِ الأَرْضِ، وَاسْتَنْقَذَهُمْ مِنْ أَسْرِ الشَّيْطَانِ، وَمِنَ الشِّرْكِ بِاللهِ وَالْكُفْرِ بِهِ والْجَهْلِ بِهِ حَتَّى نَالَ بِهِ أَتْبَاعُهُ شَرَفَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَإِنَّ رِسَالَتَهُ وَافَتْ أَهْلَ الأَرْضِ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا بَيْنَ عُبَّادِ أَوْثَانٍ، وَعُبَّادِ صُلْبَانٍ، وَعُبَّادِ نِيرَانٍ، وَعُبَّادِ الْكَوَاكِبِ، وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِمْ قَدْ بَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ، وَحَيْرَانَ لاَ يَعْرِفُ رَبًّا يَعْبُدُهُ، وَلاَ بِمَاذَا يَعْبُدُهُ، وَالنَّاسُ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، مَنِ اسْتَحْسَنَ شَيْئًا دَعَا إِلَيْهِ، وَقَاتَلَ مَنْ خَالَفَهُ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعُ قَدَمٍ مُشْرِقٌ بِنُورِ الرِّسَالَةِ، وَقَدْ نَظَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ حِينَئِذٍ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إلاَّ بَقَايَا عَلَى آثَارٍ مِنْ دِينٍ صَحِيحٍ، فَأَغَاثَ اللهُ بِهَا الْبِلاَدَ وَالْعِبَادَ، وَكَشَفَ بِهِ تِلْكَ الظُّلَمَ، وَأَحْيَا بِهِ الخَلِيقَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهَدَى بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَعَلَّمَ بِهِ

(1/56)


مِنَ الْجَهَالَةِ، وَكَثَّرَ بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَأَعَزَّ بِهِ بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَأَغْنَى بِهِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ، وَفَتَحَ بِهِ أَعْينًا عُمْيًا، وآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، فَعَرَفَ النَّاسُ رَبَّهُمْ وَمَعْبُودَهُمْ، غَايَةَ مَا يُمْكِنُ أَنْ تَنَالَهُ قُوَاهُمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَأَبْدَأَ وأَعَادَ، وَاخْتَصَرَ وَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ حَتَّى تَجَلَّتْ مَعْرِفَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْجَابَتْ سَحَائِبُ الشَّكِّ والرَّيْبِ عَنْهَا، كَمَا يَنْجَابُ السَّحَابُ عَنِ القَمَرِ لَيْلَةَ إِبْدَارِهِ، وَلَمْ يَدَعْ لأُمَّتِهِ حَاجَةً فِي هَذَا التَّعْرِيفِ لاَ إِلَى مَنْ قَبْلَهُ، وَلاَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، بَلْ كَفَاهُمْ وَشَفَاهُمْ وَأَغْنَاهُمْ عَنْ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(1).
__________
(1) سورة العنكبوت: 51.

(1/57)


وَعَرَّفَهُمُ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَ لَهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ وَرِضْوَانِهِ وَدَارِ كَرَامَتِهِ، وَلَمْ يَدَعْ حَسَنًا إِلاَّ أَمَرَهُمْ بِهِ، وَلاَ قَبِيحًا إِلاَّ نَهَى عَنْهُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الجَنَّةِ إِلاَّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلاَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ](1). قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ J وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلاَّ ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا)(2).
وَعَرَّفَهُمْ حَالَهُمْ بَعْدَ الْقُدُومِ عَلَى رَبِّهِمْ أَتَمَّ تَعْرِيفٍ، فَكَشَفَ الأَمْرَ وَأَوْضَحَهُ، وَلَمْ يَدَعْ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ النَّافِع الْمُقَرِّبِ لَهُمْ إِلَى رَبِّهِ إِلاَّ فَتَحَهُ، وَلاَ مُشْكِلاً إِلاَّ بَيَّنَهُ وَشَرَحَهُ، حَتَّى هَدَى اللهُ بِهِ الْقُلُوبَ مِنْ ضَلاَلِهَا، وَشَفَاهَا مِنْ أَسْقَامِهَا، وَأَغَاثَهَا مِنْ جَهْلِهَا، فَأَيُّ بَشَرٍ أَحَقُّ بِأَنْ يُحْمَدَ مِنْهُ
J، وَجَزَاهُ عَنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ.
__________
(1) أورده الهيثمي في [المجمع] (8/263، 264) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبدالله بن يزيد المقرئ وهو ثقة.
(2) أخرجه أحمد في [المسند] (5/162)، ورجاله ثقات.

(1/58)


وَمِمَّا يُحْمَدُ عَلَيْهِ J مَا جَبَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَكَرَائِمِ الشِّيَمِ، فَإِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي أَخْلاَقِهِ وَشِيَمِهِ J، عَلِمَ أَنَّهَا خَيْرُ أَخْلاَقٍ، فَإِنَّهُ J كَانَ أَعْلَمَ الْخَلْقِ، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَحْلَمَهُمْ وأَجْوَدَهُمْ وأَسْخَاهُمْ، وأَشَدَّهُمْ احْتِمَالاً، وَأَعْظَمَهُمْ عَفْوًا وَمَغْفِرَةً، وَكَانَ لاَ يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلاَّ حِلْمًا، كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي [صَحِيحِهِ] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللهِ J فِي التَّوْرَاةِ: [مُحمَّدٌ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُهُ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ صَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ، وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى أُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وأَفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا](1).
__________
(1) أخرجه البخاري (الفتح 8/4838).

(1/59)


وَهُوَ أَرْحَمُ الْخَلْقِ وَأَرْأَفُهُمْ بِهِمْ، وَأَعْظَمُ الْخَلْقِ نَفْعًا فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَأَفْصَحُ خَلْقِ اللهِ، وَأَحْسَنُهُمْ تَعْبِيرًا عَنِ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ بِالأَلْفَاظِ الْوَجِيزَةِ الدَّالَّةِ عَلَى المُرَادِ، وَأَصْبَرُهُمْ فِي مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، وَأَصْدَقُهُمْ فِي مَوْطِنِ اللِّقَاءِ، وَأَوْفَاهُمْ بِالْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ، وَأَعْظَمُهُمْ مُكَافأَةً عَلَى الْجَمِيلِ بِأَضْعَافِهِ، وأَشَدُّهُمْ تَوَاضُعًا، وَأَعْظَمُهُمْ إِيثَارًا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشَدُّ الْخَلْقِ ذَبًّا عَنْ أَصْحَابِهِ وَحِمَايَةً لَهُمْ، وَدِفَاعًا عَنْهُمْ، وَأَقْوَمُ الْخَلْقِ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَأَتْرَكُهُمْ لِمَا يَنْهَى عَنْهُ، وَأَوْصَلُ الْخَلْقِ لِرَحِمِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
بَرْدٌ عَلَى الأَدْنَى وَمَرْحَمَةٌ… …وَعَلَى الأَعَادِي مَازِنٌ جَلْدُ
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
J أَجْوَدَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصدَقَهُمْ لَهْجَةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وأَكْرمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ J(1).
فَقَوْلُهُ: كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ صَدْرًا، أَرَادَ بِهِ: بِرَّ الصَّدْرِ، وَكَثْرَةَ خَيْرِهِ، وأَنَّ الْخَيْرَ يَتَفَجَّرُ مِنْهُ تَفْجِيرًا، وَأَنَّهُ مُنْطَوٍ عَلَى كُلِّ خُلُقٍ جَمِيلٍ، وَكُلِّ خَيْرٍ، كَمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ في الدُّنْيَا كُلِّهَا مَحَلٌّ كَانَ أَكْثَرَ خَيْرًا مِنْ صَدْرِ رَسُولِ اللهِ
J قَدْ جَمَعَ الْخَيْرَ بِحَذَافِيرِهِ، وَأُودِعَ فِي صَدْرِهِ J.
__________
(1) أخرجه الترمذي في [الشمائل] رقم (6) وفي [السنن] (3642) وقال الارنؤوطيان، وفي سنده ضعف وانقطاع].

(1/60)


وَقَوْلُهُ: أَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَهَذَا مِمَا أَقَرَّ بِهِ أَعْداؤُهُ الْمُحَارِبُونَ لَهُ، وَلَم يُجَرِّبْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَعْدَائِهِ كِذْبَةً وَاحِدَةً قَطُّ، دَعْ شَهَادَةَ أَوْلِيَائِهِ كُلِّهِمْ لَهُ بِهِ فَقَدْ حَارَبَهُ أَهْلُ الأَرْضِ بِأَنْوَاعِ الْمُحَارَبَاتِ مُشْرِكُوهُمْ وَأَهْلُ الْكِتَابِ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ طَعَنَ فِيهِ بِكِذْبَةٍ وَاحِدَةٍ صَغِيرَةٍ وَلاَ كَبِيرَةٍ.
قَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: قُلْتُ لأَبي جَهْلٍ - وَكَانَ خَالِي - يَا خَالُ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَ مُحَمَّدًا بِالْكَذِبِ قَبْل أَنْ يَقُولَ مَقَالَتَهُ؟ فَقَالَ: وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ شَابٌّ يُدْعَى فِينَا الأَمِينَ، فَلَمَّا خَطَّهُ الشَّيْبُ لَمْ يَكُنْ لِيَكْذِبَ، قُلْتُ: يَا خَالُ فَلِمَ لاَ تَتَّبِعُونَهُ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو هَاشِمٍ الشَّرَفَ؛ فَأَطْعَمُوا وأَطْعَمْنَا، وَسَقَوْا وَسَقَيْنَا، وأَجَارُوا وأَجَرْنَا، فَلَمَّا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ، فَمَتَى نَأْتِيهِمْ بِهَذَا] أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَالَ تَعَالَى يُسَلِّيهِ وَيُهَوِّنُ عَلَيْهِ قَوْلَ أَعْدَائِهِ: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِى الْمُرْسَلِينَ}(1).
__________
(1) سورة الأنعام: 33، 34.

(1/61)


وَقَوْلُهُ: أَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، يَعْنِي أَنَّه سَهْلٌ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ، مُجِيبٌ لِدَعْوةِ مَنْ دَعَاهُ، قَاضٍ لِحَاجَةِ مَنِ اسْتَقْضَاهُ، جَابِرٌ لِقَلْبِ مَنْ قَصَدَهُ لاَ يَحْرِمُهُ وَلاَ يَرُدُّهُ خَائِبًا، إِذَا أَرَادَ أَصْحَابُهُ مِنْهُ أَمْرًا، وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ، وَتَابَعَهُمْ فِيهِ، وَإِنْ عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَسْتَبِدَّ بِدُونِهِمْ، بَلْ يُشَاوِرُهُمْ وَيُؤَامِرُهُمْ، وَكَانَ يَقْبَلُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَعْفُو عَنْ مُسِيئِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: أَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً. يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعَاشِرُ جَلِيسًا لَهُ إِلاَّ أَتَمَّ عِشْرَةً وَأَحْسَنَهَا وأَكْرَمَهَا، فَكَانَ لاَ يَعْبسُ فِي وَجْهِهِ، وَلاَ يُغْلِظُ لَهُ فِي مَقَالِهِ، وَلاَ يَطْوِي عَنْهُ بِشْره، وَلاَ يُمْسِكُ عَلَيْهِ فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَلاَ يُؤَاخِذُهُ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ جَفْوَةٍ وَنَحْوِهَا، بَلْ يُحْسِنُ إِلَى عَشِيرِهِ غَايَةَ الإِحْسَانِ، وَيَحْتَمِلُ غَايَةَ الاِحْتِمَالِ، فَكَانَتْ عِشْرَتُهُ لَهُمْ احْتِمَالَ أَذَاهُمْ، وَجَفْوَتَهُمْ جُمْلَةً، لاَ يُعَاقِبُ أَحَدًا مِنْهُمْ وَلاَ يَلُومُهُ وَلاَ يُبَادِئُهُ بِمَا يَكْرَهُ، مَنْ خَالَطَهُ يَقُولُ: أَنَا أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيهِ، لِمَا يَرَى مِنْ لُطْفِهِ بِهِ، وَقُرْبِهِ مِنْهُ، وإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ، وَاهْتِمَامِهِ بِأَمْرِهِ، وَتَضْحِيَتِهِ لَهُ، وَبَذْلِ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَاحْتِمَالِ جَفْوَتِهِ، فَأَيُّ عِشْرَةٍ كَانَتْ أَوْ تَكُونُ أَكْرَمَ مِنْ هَذِهِ الْعِشْرَةِ.

(1/62)


قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ J في جُلَسَائِهِ فَقَالَ: كَانَ النَّبيُّ J دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظِّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ صَخَّابٍ، وَلاَ فَحَّاشٍ، وَلاَ عَيَّابٍ، وَلاَ مَدَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لاَ يَشْتَهِي، وَلاَ يُؤْيِسُ مِنْهُ رَاجِيهِ، وَلاَ يَخِيبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاَثٍ: الْمِرَاءِ، والإِكْثَارِ، وَتَرْكِ مَا لاَ يَعْنِيهِ، كَانَ لاَ يَذُمُّ أَحَدًا وَلاَ يَعِيبُهُ، وَلاَ يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ، تَكَلَّمُوا، لاَ يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ، أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرَغَ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ، وَلاَيَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلاَّ مِنْ مُكَافِيءٍ، وَلاَ يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ، حَتَّى يَجُوزَ، فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ(1).
__________
(1) أخرجه الترمذي في [الشمائل] رقم (344)، وذكره الألباني في مختصر الشمائل (ص24).

(1/63)


وَقَوْلُهُ: [مَنْ رآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ] وَصَفَهُ بِصِفَتَيْنِ خَصَّ اللهُ بِهِمَا أَهْلَ الصِّدْقِ وَالإِخْلاَصِ: وَهُمَا الإِجْلاَلُ وَالمَحَبَّةُ، وَكَانَ قَدْ أَلْقَى عَلَيْهِ هَيْبَةً مِنْهُ وَمَحَبَّةً، فَكَانَ كُلُّ مَنْ يَرَاهُ يَهَابُهُ وَيُجِلُّهُ، وَيَمْلأُ قَلْبَهُ تَعْظِيمًا وَإِجْلالاً، وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا لَهُ، فَإِذَا خَالَطَهُ وَعَاشَرَهُ، كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ، فَهُوَ الْمُجَلُّ الْمُعَظَّمُ الْمَحْبُوبُ الْمُكَرَّمُ، وَهَذَا كَمَالُ الْمَحَبَّةِ أَنْ تُقْرَنَ بِالتَّعْظِيمِ وَالْهَيْبَةِ، فَالْمَحَبَّةُ بِلاَ تَعْظِيمٍ وَلاَ هَيْبَةٍ نَاقِصَةٌ، وَالْهَيْبَةُ والتَّعْظِيمُ مِنْ غَيْرِ مَحَبَّةٍ نَاقِصَةٌ كَمَا تَكُونُ لِلْغَادِرِ الظَّالِمِ نَقْصًا أَيْضًا، وَالكَمَالُ: أَن تَجْتَمِعَ الْمَحَبَّةُ وَالوُدُّ، وَالتَّعْظِيمُ والإِجْلاَلُ، وَهَذَا لاَ يُوجَدُ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْمَحْبُوبِ صِفَاتُ الكَمَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَظَّمَ لأَجْلِهَا، وَيُحَبُّ لأَجْلِهَا.

(1/64)


وَلَمَّا كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، كَانَ الْمُسْتَحِقَّ لأَِنْ يُعَظَّمَ وَيُكْبَرَ ويُهَابَ ويُحَبَّ، وَيُوَدَّ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَلْبِ، وَلاَ يُجْعَلَ لَهُ شَرِيكٌ فِي ذَلِكَ. وَكُلُّ مَحَبَّةٍ وَتَعْظِيمٍ لِلْبَشَرِ، فَإِنَّمَا تَجُوزُ تَبَعًا لِمَحَبَّةِ اللهِ وَتَعْظِيمِهِ، كَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ وَتَعْظِيمِهِ، فإِنَّهَا مِنْ تَمَامِ مُرْسِلِهِ وَتَعْظِيمِهِ، فَإِنَّ أُمَّتَهُ يُحِبُّونَهُ لِحُبِّ اللهِ لَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ وَيُجلُّونَهُ لإِجْلاَلِ اللهِ لَهُ. فَهِيَ مَحَبَّةٌ للهِ مِنْ مُوجِبَاتِ مَحَبَّةِ اللهِ وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ، وَمَحَبَّةُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَإِجْلاَلُهُمْ تَابِعٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ لَهُمْ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّبِيَّ
J أَلْقَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ مِنْهُ الْمَهَابَةَ وَالْمَحَبَّةَ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مُخْلِصٍ حَظٌّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إِنَّ الْمُؤْمِنَ رُزِقَ حَلاَوَةً وَمَهَابَةً، يَعْنِي يُحَبُّ وَيُهَابُ ويُجَلُّ بِمَا أَلْبَسَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ثَوْبِ الإِيمَانِ المُقتَضِي لِذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ بَشَرٌ أَحَبَّ إِلى بَشَرٍ وَلاَ أَهْيَبَ وأَجَلَّ فِي صَدْرِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ J فِي صَدْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

(1/65)


قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ قَبْلَ إِسْلاَمِهِ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ، لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ. وَلاَ أَجَلَّ فِي عَيْنِهِ مِنْهُ، قَالَ: وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ لَكُمْ، لَمَا أَطَقْتُ، لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلاَلاً لَهُ(1).
وَقَالَ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ لِقُرَيْشٍ: [يَا قَوْمِ وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالْمُلُوكِ فَمَا رَأَيْتُ مَلِكًا يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا
J مَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَمَا تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَصَدْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ، كَادُوا يَقْتتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ](2).
فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ
J مُشْتَمِلاً عَلَى مَا يَقْتَضِي أَنْ يُحْمَدَ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ سُمِّيَ مُحَمَّدًا، وَهُوَ اسْمٌ مُوَافِقٌ لِمُسَمَّاهُ، وَلَفْظٌ مُطَابِقٌ لِمَعْنَاهُ.
__________
(1) قطعة من حديث مطول أخرجه مسلم (121) في الإيمان: باب كون الإسلام يهدم ما قبله من حديث عمرو ابن العاص رضي الله عنه.
(2) قطعة من حديث مطول أخرجه البخاري (الفتح 5/2731).

(1/66)


وَالْفَرْقُ بَيْنَ [مُحَمَّدٍ] وَ[أَحْمَدَ] مِنْ وَجْهَيَنْ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ [مُحَمَّدًا] هُوَ الْمَحْمُودُ حَمْدًا بَعْدَ حَمْدٍ، فَهُوَ دَالٌّ عَلَى كَثْرَةِ حَمْدِ الْحَامِدِينَ لَهُ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ مُوجِبَاتِ الْحَمْدِ فِيهِ، وَ [أَحْمَدُ] أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْحَمْدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ، فِي [مُحَمَّدٍ] زِيَادَةُ حَمْدٍ فِي الْكَمِّيَّةِ وَ[أَحْمَدُ] زِيَادَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ، فَيُحْمَدُ أَكْثَرَ حَمْدٍ وَأَفْضَلَ حَمْدٍ حُمِدَهُ الْبَشَرُ.
الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّ [مُحَمَّدًا] هُوَ الْمَحْمُودُ حَمْدًا مُتَكَرِّرًا كَمَا تَقَدَّمَ وَ[أَحْمَدُ] هُوَ الَّذِي حَمْدُهُ لِرَبِّهِ أَفْضَلُ مِنْ حَمْدِ الْحَامِدِينَ غَيْرِهِ، فَدَلَّ أَحَدُ الاسْمَيْنِ وَهُوَ [مُحَمَّدٌ] عَلَى كَوْنِهِ مَحْمُودًا، وَدَلَّ الثَّانِي وَهُوَ [أَحْمَدُ] عَلَى كَوْنِهِ أَحْمَدَ الْحَامِدِينَ لِرَبِّهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ
J سُمِّيَ [مُحَمَّدًا] وَ[أَحْمَدَ] لأَنَّهُ يُحْمَدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ، وَأَفْضَلَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ فالاسْمَانِ وَاقِعَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِ وَأَتَمُّ مَعْنًى، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَى الْفَاعِلِ لَسُمِّيَ الْحَمَّادَ، وَهُوَ كَثِيرُ الْحَمْدِ، كَمَا سُمِّيَ [مُحَمَّدًا] وَهُوَ المَحْمُودُ كَثِيرًا، فإِنَّهُ J كَانَ أَكْثَرَ الْخَلْقِ حَمْدًا لِرَبِّهِ، فَلَوْ كَانَ اسْمُهُ بِاعْتِبَارِ الْفَاعِلِ، لَكَانَ الأَوْلَى أَنْ يُسَمَّى [حَمَّادًا] كَمَا أَنَّ اسْمَ أُمَّتِهِ الْحَمَّادُونَ.

(1/67)


وَأَيْضًا فَإِنَّ الاِسْمَيْنِ إِنَّمَا اشْتُقَّا مِنْ أَخْلاَقِهِ وَخَصَائِلِهِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي لأَجْلِهَا اسْتَحَقَّ أَنْ يُسَمَّى [مُحَمَّدًا] وَ[أَحْمَدَ] فَهُوَ الَّذِي يَحْمَدُهُ أَهْلُ الدُّنْيَا وَأَهْلُ الآخِرَةِ، وَيحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَلِكَثْرَةِ خَصَائِلِهِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي تَفُوتُ عَدَّ الْعَادِّينَ، سُمِّيَ بِاسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَاءِ الْحَمْدِ يَقْتَضِيَانِ التَّفْضِيلَ وَالزِّيَادَةَ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
معنى الآل واشتقاقه وأحكامه
وَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَصْلَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قُلِبَتْ الهَاءُ هَمْزَةً، فَقِيلَ: أَأْلُ. ثُمَّ سُهِّلَتْ عَلَى قِيَاسِ أَمْثَالِهَا، فَقِيلَ: آلٌ، قَالُوا: وَلِهَذَا إِذَا صُغِّرَ رَجَعَ إِلَى أَصْلِهِ، فَقِيلَ: أُهَيْلٌ، قَالُوا: وَلَمَّا كَانَ فَرْعًا عَنْ فَرْعٍ، خَصُّوهُ بِبَعْضِ الأَسْمَاءِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا، فَلَمْ يُضِيفُوهُ إِلَى أَسْماءِ الزَّمَانِ، وَلاَ الْمَكَانِ، وَلاَ غَيْرِ الأَعْلاَمِ، فَلاَ يَقُولُونَ: آلُ رَجُلٍ، وَآلُ امْرَأَةٍ، وَلاَ يُضِيفُونَهُ إِلَى مُضْمَرٍ، فَلاَ يُقَالُ: آلُهُ وآلِي، بَلْ لاَ يُضَافُ إِلاَّ إِلى مُعَظَّمٍ، كَمَا أَنَّ التَّاءَ لَمَّا كَانَتْ فِي الْقَسَمِ بَدَلاً عَنِ الْوَاوِ، وَفَرْعًا عَلَيْهَا، وَالْوَاوُ فَرْعًا عَنْ فِعْلِ الْقَسَمِ، خَصُّوا التَّاءَ بِأَشْرَفِ الأَسْمَاءِ وَأَعْظَمِهَا، وَهُوَ اسْمُ اللهِ تَعَالَى(1).
__________
(1) وقد ضعَّف المؤلف رحمه الله هذا القول من عدة وجوه فلتراجع.

(1/68)


وَقِيلَ: بَلْ أَصْلُهُ أَوَلٌ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ [الصِّحَاحِ] فِي مَادَّةِ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ وَاللاَّمِ، قَالَ: وَآلُ الرَّجُلِ: أَهْلُهُ وَعِيَالُهُ، وَآلُهُ أَيْضًا: أَتْبَاعُهُ، وَهُوَ عِنْدَ هَؤُلاَءِ مُشْتَقٌّ مِنْ آلَ يَئُولُ: إِذَا رَجَعَ، فَآلُ الرَّجُلِ هُمُ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، وَيُضَافُونَ إِلَيْهِ، وَيَئُولُهُمْ، أَيْ: يَسُوسُهُمْ، فَيَكُونُ مآلُهُمْ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ الإِيَالَةُ وَهِيَ السِّيَاسَةُ، فَآلُ الرَّجُلِ: هُمُ الَّذِينَ يَسُوسُهُمْ وَيَئُولُهُمْ، وَنَفْسُهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِي آلِهِ، وَلَكِنْ لاَ يُقَالُ: إِنَّه مُخْتَصُّ بِآلِهِ، بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِمْ، وَهَذِهِ الْمَادَّةُ مَوْضُوعَةٌ لأَصْلِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ حَقِيقَةُ الشَّيْءِ تَأْوِيلَهُ، لأَنَّهَا حَقِيقَتُهُ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا. وَمِنْهُ التَّأْوِيلُ بِمَعْنَى التَّفْسِيرِ، لأَنَّ تَفْسِيرَ الْكَلامِ، هُو بَيَانُ مَعْنَاهُ وَحَقِيقَتُهُ الَّتِي يُرَادُ مِنْهُ.
قَالُوا: وَمِنْهُ الأَوَّلُ، لأَنَّه أَصْلُ الْعَدَدِ وَمَبْنَاهُ الَّذِي يَتَفَرَّعُ مِنْهُ، وَمِنْهُ الآلُ بِمَعْنَى الشَّخْصِ نَفْسِهِ، قَالَ أَصْحَابُ هَذَا القَوْلِ: وَالْتَزَمَتِ العَرَبُ إِضَافَتَهُ، فَلاَ يُسْتَعْمَلُ مُفْرَدًا إِلاَّ فِي نَادِرِ الْكَلاَمِ.
وَالْتَزَمُوا أَيْضًا إِضَافَتَهُ إِلَى الظَّاهِرِ، فَلاَ يُضَافُ إِلَى مُضْمَرٍ إِلاَّ قَلِيلاً.
قَالُوا: وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لاَ يُضَافُ إِلاَّ إِلَى مَتْبُوعٍ مُعَظَّمٍ فَلاَ يُقَالُ آلُ الْحَائِكِ وَآلُ الْحَجَّامِ وَلاَ آلُ رَجُلٍ.

(1/69)


وَأَمَّا مَعْنَاهُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقَالُ: آلُ الرَّجُلِ لَهُ نَفْسِهِ، وَآلُ الرَّجُلِ لِمَنْ يَتْبَعُهُ، وَآلُهُ لأَِهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ، فَمِنَ الأَوَّلِ قَوْلُ النَّبِيِّ J لَمَّا جَاءَهُ أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}(1). وَقَوْلُهُ J: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مِحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ] فَآلُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ إِبْرَاهِيمُ، لأَنَّ الصَّلاَةَ الْمَطْلُوبَةَ لِلنَّبِيِّ J، هِيَ الصَّلاَةُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ نَفْسِهِ، وَآلُهُ تَبَعٌ لَهُ فِيهَا.
وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، وَقَالُوا: لاَ يَكُونُ الاْ…لُ إِلاَّ الأَتْبَاعَ وَالأَقَارِبَ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الأَدِلَّةِ، فَالْمُرَادُ بِهَا الأَقَارِبُ، وَقَوْلُهُ: [كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ] آلُ إِبْرَاهِيمَ هُنَا هُمُ الأَنْبِيَاءُ، وَالْمَطْلُوبُ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ
J، كَمَا صَلَّى عَلَى جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، لاَ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَعْضِ الأَلْفَاظِ مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ(2).
__________
(1) سورة الصافات: 130.
(2) راجع جلاء الأفهام، 156، 157.

(1/70)


وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}(1). فَهَذِهِ فِيهَا قِرَاءَتَانِ(2)، إِحْدَاهُمَا: إِلْيَاسِينَ بِوَزْنِ إِسْمَاعِيلَ وَفِيهِ وَجْهَانِ(3).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَعَلَى هَذَا فَفَصْلُ النِّزَاعِ بَيْنَ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ فِي الاْلِ. أَنَّ [الآلَ] إِنْ أُفْرِدَ دَخَلَ فِيهِ الْمُضَافُ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَدْخِلُوا أَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}(4). وَلاَ رَيْبَ فِي دُخُولِهِ فِي آلِهِ هُنَا. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آل فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}(5) وَنَظَائِرِهِ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ
J: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى] وَلا رَيْبَ فِي دُخُولِ أَبِي أَوْفَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ، وَقوْلِهِ: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ] هَذِهِ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ، وَإِبْرَاهِيمُ هُنَا دَاخِلٌ فِي آلِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ مَنْ قَالَ: آلُ الرَّجُلِ نَفْسُهُ.
وَأَمَّا إِنْ ذُكِرَ الرَّجُلُ، ثُمَّ ذُكِرَ آلُهُ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ، فَفَرْقٌ بَيْنَ اللَّفْظِ الْمُجَرَّدِ وَالمَقْرُونِ. فإِذَا قُلْتَ: أَعْطِ لِزَيْدٍ وآلِ زَيْدٍ، لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ هُنَا دَاخِلاً فِي آلِهِ، وَإِذَا قُلْتَ: أَعْطِهِ لآلِ زَيْدٍ، تَنَاوَلَ زَيْدًا وَآلَهُ، وَهَذَا لَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ.
فصلُ في آلِ النَّبِيِّ
J
__________
(1) سورة الصافات؛ 130.
(2) ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: إلياسين موصولة مكسورة الألف ساكنة اللام، فجعلوها كلمة واحدة، وقرأ نافع وابن عامر وعبدالوارث إل ياسين، فجعلوها كلمتين، انظر [زاد المسير] (7/38) بتحقيق الأرنؤوطيين.
(3) ذكر المؤلف - رحمه الله- القراءتين مع ذكر ما تحتملانه من وجوه فلتراجع.
(4) سورة غافر: 46.
(5) سورة الأعراف: 130.

(1/71)


وَاخْتُلِفَ فِي آلِ النَّبِيِّ J عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
فَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، وَفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ بَنُوهَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ بَنُوهَاشِمٍ وَمَنْ فَوْقَهُمْ إِلَى غَالِبٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِمْ بَنُوالْمُطَّلِبِ، وَبَنُوأُمَيَّةَ، وَبَنُونَوْفَلَ، وَمَنْ فَوْقَهُمْ إِلَى بَنِي غَالِبٍ، وَهَذَا اخْتِيارُ أَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، حَكَاهُ صَاحِبُ [الْجَوَاهِرِ] عَنْهُ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ فِي [التَّبْصِرةِ] عَنْ أَصْبَغَ، وَلَمْ يَحْكِهِ عَنْ أَشْهَبَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الأَوَّلُ فِي الآلِ أَعْنِي أَنَّهُمُ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ هُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَالأَكْثَرِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ.

(1/72)


وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ آلَ النَّبِيِّ J هُمْ ذُرِّيَّتُهُ وَأَزْوَاجُهُ خَاصَّةً، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ فِي [التَّمْهِيدِ] قَالَ فِي بَابِ عَبْدِاللهِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ: اسْتَدَلَّ قَوْمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ [آلَ مُحَمَّدٍ] هُمْ أَزْوَاجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ خَاصَّةً، لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَعِيمٍ الْمُجَمِّرِ وَفِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعلَى آلِ مُحَمَّدٍ] وَفِي هَذَا الْحَديثِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ] قَالُوا: فَهَذَا تَفْسِيرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمْ أَزْوَاجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ، قَالُوا: فَجَاِئزٌ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ أَزْوَاجِ مُحَمَّدٍ J وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ: صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، إِذَا وَاجَهَهُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، وَلا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ.
قَالُوا: وَالآلُ وَالأَهْلُ سَوَاءٌ، وَآلُ الرَّجُلِ وَأَهْلُهُ سَوَاءٌ، وَهُمُ الأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّةُ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ.

(1/73)


وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ آلَهُ J أَتْبَاعُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَقْدَمُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَاوِيُّ فِي [شَرْحِ مُسْلِمٍ] وَاخْتَارَهُ الأَزْهَرِيُّ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ آلَهُ
J هُمُ الأَتْقِيَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ، حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّاغِبُ وَجَمَاعَةٌ(1).
أَزْوَاجُهُ
J(2)
خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ(3) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
__________
(2) قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: أما الأزواج فجمع زوج، وقد يُقال: زوجة، والأول أفصح، وبها جاء القرآن، قال تعالى: {يَآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وِزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة: 35) وقال تعالى في حق زكريا عليه السلام: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} (الأنبياء: 90) ومن الثاني: قول ابن عباس - رضي الله عنهما - في عائشة - رضي الله عنها -: [إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة] وقال الفرزدق:
… وإن الذي يبغي ليفسد زوجتي
كساع إلى أسد الشَّرى يستبيلها
… ثم ذكر المؤلف - رحمه الله -: أن هذا أليق المواضع بذكر أزواجه
J.
(3) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/245ـ246) بتحقيق محمود الأرناؤوط، طبع دار ابن الأثير ببيروت.

(1/74)


هِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسْدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلابٍ، تَزَوَّجَهَا J بِمَكَّةَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَبَقِيَتْ مَعَهُ إِلَى أَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ بِرِسَالَتِهِ، فَآمَنَتْ بِهِ وَنَصَرَتْهُ، فَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، وَمَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ، عَلَى الأَصَحِّ، وَقِيلَ: بِأَرْبَعٍ، وَقِيلَ: بِخْمْسٍ، وَلَهَا خَصَائِصُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
مِنْهَا: أَنَّهُ
J لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ أَوْلادَهُ
Jكُلَّهُمْ مِنْهَا إِلاَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإِنَّهُ مِنْ سُرِّيَّتِهِ مَارِيَةَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا خَيْرُ نِسَاءِ الأُمَّةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَفْضِيلِهَا عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ، ثَالِثُهَا: الْوَقْفُ.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ إِلِيْهَا السَّلامَ مَعَ جِبرْيِلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَبَلَّغَهَا رَسُولُ اللهِ
J ذَلِكَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: [أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ
J، فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ(1) لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ(2)](3).
__________
(1) القَصب: اللؤلؤ المجوف، قال ابن التين: المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف وقال السهيلي: النكتة في قوله: [من قصب] ولم يقل [من لؤلؤ] أن في لفظ [القصب] مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها. و [الصخب] الضجة والغلبة.
(2) النصب: التعب .
(3) أخرجه البخاري (الفتح 7/3820) ومسلم (2432) .

(1/75)


وَمِنْ خَصَائِصِهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا لَمْ تَسُؤْهُ قَطُّ وَلَمْ تُغَاضِبْهُ وَلَمْ يَنَلْهَا مِنْهُ إِيلاءٌ وَلا عَتْبٌ قَطُّ وَلا هَجْرٌ، وَكَفَى بِهِ مَنْقَبَةً وَفَضِيلَةً.
وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّهَا أَوَّل امْرَأَةٍ آمَنَتْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ.
سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ(1) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
وَهِى سَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِوُدِّ بْنِ نَضْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِر بْنِ لُؤَيِّ، كَبُرَتْ عِنْدَهُ، وَأَرَادَ طَلاقَهَا، فَوَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَأَمْسَكَهَا(2).
وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّهَا آثَرَتْ بِيَوْمِهَا حُبَّ رَسُولِ اللهِ
J تَقَرُّبًا إِلَى رَسُولِ اللهِ J وَحُبًّا لَهُ، وَإِيثَارًا لِمَقَامِهَا مَعَهُ، فَكَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ، وَلا يَقْسِمُ لَهَا وَهِيَ رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ، مُؤْثِرَةٌ لِرِضَى رَسُولِ اللهِ J، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا(3).
عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ(4) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -:
__________
(1) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/247ـ248).
(2) أخرجه البخاري (الفتح9/5212) ومسلم (1463) .
(3) البخاري (الفتح9/5067) ومسلم (1465) .
(4) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/248ـ249).

(1/76)


هِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيِّ التَّيمِيِّ(1) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ J وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ، وَقِيلَ: بِثَلاثٍ، وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ أَوَّلَ مَقْدِمِهِ فِي السَّنَةِ الأُولَى، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ(2)، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ، وَأَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهَا أَبُوهُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا كَانَتْ أَحَبَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ
J إِلَيْهِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ سُئِلَ: أَيُّ النَّاسُ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: [عَائِشَةُ] قِيلَ: فَمِنَ الرِّجَالُ؟ قَالَ: [أَبُوهَا](3).
وَمِنْ خَصَائِصِهَا أَيْضًا: أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ امْرَأَةً بِكْرًا غَيْرَهَا.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّهُ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ فِي لِحَافِهَا دُونَ غَيْرِهَا.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ التَّخْيِيرِ بَدَأَ بِهَا، فَخَيَّرَهَا، فَقَالَ: [وَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ.
فَقَالَتْ: [أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ](4). فَاسْتَنَّ بِهَا بَقِيَّةُ أَزْوَاجِهِ
J وَقُلْنَ كَمَا قَالَتْ.
__________
(1) انظر: الإصابة لابن حجر (1/333) .
(2) أخرجه البخاري (الفتح 9/5133) .
(3) أخرجه البخاري (الفتح 7/4358) ومسلم (2384) .
(4) البخاري (8/4785) ومسلم (1475) .

(1/77)


وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ اللهُ سُبْحَانَهُ بَرَّأَهَا مِمَّا رَمَاهَا بِهِ أَهْلُ الإِفْكِ، وَأَنْزَلَ فِي عُذْرِهَا وَبَرَاءَتِهَا وَحْيًا يُتْلَى فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَوَاتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ الأَكَابِرَ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كَانَ إِذَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ مِنَ الدِّينِ، اسْتَفْتَوْهَا، فَيَجِدُونُ عِلْمَهُ عِنْدَهَا.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J تُوُفِّيَ فِي بَيْتِهَا، وَفِي يَوْمِهَا وَبَيْنَ سَحْرِهَا وَنَحْرِهَا(1)، وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا(2).
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ الْمَلَكَ أَرَى صُورَتَهَا لِلنَّبِيِّ
J قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ J: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ](3).
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ
J، تَقَرُّبًا إِلَى رَسُولِ اللهِ J فَيُتْحِفُونَهُ بِمَا يُحِبُّ فِي مَنْزِلِ أَحَبِّ نِسَائهِ إِلَيْهِ Jوَرَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ.
حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ(4) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -:
__________
(1) السحر: الرئة . أي أنه
J مات وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها - رضي الله عنها - .
(2) أخرجه البخاري (الفتح 3/1389) ومسلم (2443) .
(3) أخرجه البخاري (الفتح 9/5125) ومسلم (2438) وأحمد (6/41 و 128 و 161) من حديث عائشة - رضي الله عنها - .
(4) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/250ـ251).

(1/78)


هِيَ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ J وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ J وَمِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا(1). تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سَبْعٍ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ.
وَمِنْ خَوَاصِّهَا: مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي السِّيرَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ
J طَلَّقَهَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُرَاجِعَ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ](2).
أُمُّ حَبِيبَةَ(3) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
__________
(1) كان من السابقين الأولين إلى الإسلام. هاجر إلى الحبشة وعاد إلى المدينة، فشهد بدرًا وأُحدًا وأصابه بأحد جراحات فمات منها - رضي الله عنه - .
(2) أخرجه أبوداود (2283)، وابن ماجة (2016) من حديث عمر أن رسول الله
J طلق حفصة ثم راجعها، وأخرجه النسائي (6/213) من حديث ابن عمر وإسناده صحيح ولفظ المصنف ورد من حديث أنس عند الطبراني، ومن حديث عمار بن ياسر عند البزار والطبراني، ومن حديث قيس بن يزيد عند الطبراني يصح بمجموعها الحديث . انظر: مجمع الزوائد (9/244 و 245)، والإصابة (4/264) .
(3) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/255ـ256).

(1/79)


هِيَ رَمْلَةُ بِنْتُ صَخْرِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِشَمْسِ بِنْ عَبْدِمَنَافٍ، هَاجَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِاللهِ بْنِ جَحْشٍ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَتَنَصَّرَ بِالْحَبَشَةِ، وَأَتَمَّ اللهُ لَهَا الإِسْلامَ، وَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ J، وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ النَّجَاشِيُّ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ(1)، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ J عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَخْطبُهَا، وَوَلِيَ نِكَاحَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانِ، وَقِيلَ: خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
وَهِيَ الَّتِي أَكْرَمَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللهِ
J أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ أَبُوهَا لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةِ، وَقَالَتْ: [إِنَّكَ مُشْرِكٌ] وَمَنَعَتْهُ مِنَ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ(2).
أُمُّ سَلَمَةَ (3)- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
هِيَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ(4). تُوُفِّيَتْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ، وَهِيَ آخِرُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ
J مَوْتًا: وَقِيلَ: بَلْ مَيْمُونَةُ.
__________
(1) أخرجه أبوداود (2107 و 2108) والنسائي (6/119) وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح .
(2) أخرجه ابن سعد من طريق الواقدي فيما ذكره الحافظ في الإصابة في ترجمة أم حبيبة .
(3) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/252).
(4) اسمه عبدالله بن الأسد، كان قديم الإسلام، مع عثمان بن مظعون والأرقم بن أبي الأرقم، وهاجر إلى الحبشة مع أم سلمة، ثم عاد، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا، وجُرِح في أُحد جرحًا اندمل، ثم انتفض، فمات في جمادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة .

(1/80)


وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ جِبْرِيلَ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ J وَهِيَ عِنْدَهُ، فَرَأَتْهُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، فَفِي [صَحِيحِ مُسْلِمٍ] عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: [أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ J، وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ J لأُمِّ سَلَمَةَ [مَنْ هَذَا؟] - أَوْ كَمَا قَالَ - قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، قَالَتْ: وَأَيْمُ اللهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِّيِّ اللهِ J يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ(1).
زِيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ (2)- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
__________
(1) أخرجه مسلم (2451) .
(2) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول](12/253).

(1/81)


هِيَ زِيْنبُ بِنْتُ جَحْشٍ مِنْ بَنِي خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْركَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، وَهِيَ بِنْتُ عَمَّتِهِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، وَكَانَتْ قَبْلُ عِنْدَ مَوْلاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَطَلَّقَهَا، فَزَوَّجَهَا اللهُ تَعَالَى إِيَّاهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}(1). فَقَامَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِلا اسْتِئْذَانٍ(2). وَكَانَتْ تَفْخَرُ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ J وَتَقُولُ: [زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ](3). وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهَا، تُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - .
زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ(4) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلالِيَّةُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِاللهِ بْنِ جَحْشٍ(5). تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ
J سَنَةَ ثَلاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَتْ تُسَمَّى أُمَّ الْمَسَاكِينِ لِكَثْرَةِ إِطْعَامِهَا الْمَسَاكِينَ، وَلَمْ تَلْبَثْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ J يَسِيرًا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً، وَتُوُفِّيَتْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - .
__________
(1) سورة الأحزاب: 37 .
(2) أخرجه مسلم (1428)، والنسائي (6/79) من حديث أنس بن مالك .
(3) أخرجه البخاري (الفتح 13/7420) من حديث أنس بن مالك .
(4) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/251ـ252).
(5) أمه أميمة بنت عبدالمطلب، أسلم قبل دخول النبي
J دار الأرقم، وهاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة هو وأخواه أحمد وعبيدالله وأختهم زينب وأم حبيبة وحمنة بنات جحش، وهاجر إلى المدينة بأهله وأخيه أي أحمد. وهو أول أمير أمَّره رسول الله J على سريّة، شهد بدرًا، وقُتل يوم أُحد ودُفن مع خاله حمزة.

(1/82)


جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ(1) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ
J جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَكَانَتْ سُبِيَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَكَاتَبَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ J كِتَابَتَهَا وَتَزَوَّجَهَا سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ، وَهِيَ الَّتِي أَعْتَقَ الْمُسْلِمُونَ بِسَبَبِهَا مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الرَّقِيقِ، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ J، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَرَكَتِهَا عَلَى قَوْمِهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - (2).
صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ(3) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ
J صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ مِنْ وَلَدِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ أَخِي مُوسَى، سَنَةَ سَبْعٍ، فَإِنَّهَا سُبِيَتْ مِنْ خَيْبَرَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ J، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسِينَ.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ
J أَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا(4). وَقَالَ أَنَسٌ [أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا] وَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً لِلأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَ جَارِيَتِهِ صَدَاقَهَا وَتَصِيرَ زَوْجَتَهُ.
مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ(5) - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:
__________
(1) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/256ـ257).
(2) أبوداود (3931) وأحمد (6/277) وإسناده صحيح .
(3) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/259ـ260).
(4) أخرجه البخاري (الفتح 7/4200) ومسلم (1365) .
(5) ترجمتها ومصادرها في [جامع الأصول] (12/257ـ258).

(1/83)


وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ J مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْهِلالِيَّةَ تَزَوَّجَهَا بِسَرَفٍ وَبَنَى بِهَا بِسَرَفٍ، وَمَاتَتْ بِسَرَفٍ، وَهُوَ عَلى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَهِيَ آخِرُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمؤْمِنِينَ، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَهِيَ خَالَةُ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّ أُمَّهُ أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَهِيَ خَالَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَيْضًا، وَهِيَ الَّتِي اخْتُلِفَ فِي نِكَاحِ النَّبِيِّ J، هَلْ نَكَحَهَا حَلالاً أَوْ مُحْرِمًا؟ فَالْصَحِيحُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلاَلاً كَمَا قَالَ أَبُورَافِعٍ(1). السَّفِيرُ فِي نِكَاحِهَا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: وَقَدْ غَلطَ مَنْ قَالَ: نَكَحَهَا مُحْرِمًا، وَتَقْدِيمُ حَدِيثِ مَنْ قَالَ: [تَزَوَّجَهَا حَلالاً] مِنْ عَشْرَةِ أَوْجِهٍ مَذْكُورَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ(2).
فَهَؤُلاءِ جُمْلَةُ مَنْ دَخَلَ بِهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُومُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُ: وَعَقَدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ.
فَالصَّلاةُ عَلَى أَزْوَاجِهِ تَابِعَةٌ لاحْتِرَامِهِنَّ وَتَحْرِيمِهِنَّ عَلَى الأُمَّةِ، وَأَنَّهُنَّ نِسَاؤُهُ
J فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ فَارَقَهَا فِي حَيَاتِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا لا يَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ زَوْجَاتِهِ اللاَّتِي دَخَلَ بِهِنَّ، وَمَاتَ عَنْهُنَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
بيان معنى الذرية
__________
(1) حديث أبي رافع أخرجه أحمد (6/393) والترمذي (841) وقال هذا حديث حسن .
(2) ذكر المؤلف سبعة منها في كتاب النكاح من [زاد المعاد].

(1/84)


وَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَالْكَلاَمُ فِيهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
المَسْأَلَةُ الأُولَى: فِي لَفْظِهَا، وَفِيهَا ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا:
أَنَّهَا مِنْ ذَرَأَ اللهُ الْخَلْقَ، أَيْ نَشَرَهُمْ وَأَظْهَرَهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ تَرَكُوا هَمْزَهَا اسْتِثْقَالاً، فَأَصْلُهَا [ذُرِّيئَةَ] بِالْهَمْزِ فُعِّيلَةٌ مِنَ الذَّرْءِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ [الصِّحَاحِ] وَغَيْرِهِ(1).
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي هَذِه اللَّفْظَةِ:
لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ تُقَالُ عَلَى الأَوْلادِ الصِّغَارِ وَعَلَى الْكِبَارِ أَيْضًا. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}(2). وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى أَدَمَ وَنُوحًا وَأَلَ إِبْرَاهِيمَ وَأَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(3). وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(4). وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعْلنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}(5).
وَهَلْ تُقَالُ الذُّرِّيَّةُ عَلَى الآبَاءِ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ ذُرِّيَّةً أَيْضًا.
__________
(1) قال المؤلف: وهذا القول أصح لأن الاشتقاق والمعنى يشهدان له .
(2) سورة البقرة: 124 .
(3) سورة آل عمران: 33 - 34 .
(4) سورة الأنعام: 87 .
(5) سورة الإسراء: 2، 3 .

(1/85)


وَأَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالُوا: لا يَجُوزُ هَذَا فِي اللُّغَةِ، وَالذُّرِّيَّةُ كَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ، لا تَكُونُ إِلاَّ لِلْعَمُودِ الأَسْفَلِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ}. فَذَكَرَ جِهَاتِ النَّسَبِ الثَّلاثِ مِنْ فَوْقُ، وَمِنْ أَسْفَلُ، وَمِنَ الأَطْرَافِ.
قَالَ الْمُؤَلِّف ـ رَحِمَهُ اللهُ ـُ: إِ ذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالذُّرِّيَّةُ: الأَوْلادُ وَأَوْلادُهُمْ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهَا أَوْلادُ الْبَنَاتِ؟ فِيهِ قَوْلانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، إِحْدَاهُمَا: يَدْخُلُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالثَّانِيَةُ: لا يَدْخُلُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ أَدِلَّةَ الْقَوْلَيْنِ.
فصل
في ذكر إبراهيم خليل الرحمن
j
هَذَا الاِسْمُ (إِبْرَاهِيمُ) بِالسُّرْيَانِيَّةِ مَعْنَاهُ: [أَبٌ رَحِيمٌ] وَاللهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ إِبْرَاهِيمَ الأَبَ الثَّالِثَ لِلْعَالَمِ، فَإِنَّ أَبَانَا الأَوَّلَ آدَمُ، وَالأَبَ الثَّانِي نُوحٌ، وَأَهْلُ الأَرْضِ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}(1). وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ كَذِبُ الْمُفْتَرِينَ مِنَ العَجَمِ الذَّيِنَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لا يَعْرِفُونَ نُوحًا وَلا وَلَدَهُ، وَلا يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ، وَيَنْسِبُونَ مُلُوكَهُمْ مِنْ آدَمَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَذْكُرُونَ نُوحًا فِي أَنْسَابِهِمْ، وَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ.
__________
(1) سورة الصافات: 77 .

(1/86)


فَالأَبُ الثَّالِثُ أَبُو الآبَاءِ، وَعَمُودُ الْعَالَمِ، وَإِمَامُ الْحُنَفَاءِ الَّذِي اتَّخَذَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلِيلاً، وَجَعَلَ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فِي ذُرِّيَّتِهِ، ذَلِكَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ وَشَيْخُ الأَنْبِيَاءِ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ J بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَجَدَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ صَوَّرُوا فِيهَا صُورَتَهُ وَصُورَةَ إِسْمَاعِيلَ ابْنَهُ وَهُمَا يَسْتَقْسِمَانِ بِالأَزْلامِ، فَقَالَ: [قَاتَلَهُمُ اللهُ، لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ شَيْخَنَا لَمْ يَكُنْ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلامِ](1). وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَسُولَهُ J أَنْ يَتَّبِعَ مِلَّةَ أَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ غَيْرِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(2). وَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}(3). وَ [مِلَّةَ] مَنْصُوبٌ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ: اتَّبِعُوهُ وَالْزَمُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ. وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ}(4).
__________
(1) أخرجه البخاري (الفتح 8/4288) وأحمد (1/365) .
(2) سورة النحل: 123 .
(3) سورة الحج: 78 .
(4) سورة الحج: 78 .

(1/87)


وَكَانَ رَسُولُ اللهِ J يُوصِي أَصْحَابَهُ إِذَا أَصْبَحُوا وَإِذَا أَمْسَوْا أَنْ يَقُولُوا: [أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلامِ وَكَلِمَةِ الإِخْلاصِ، وَدِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَمِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ](1).
فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الأَلْفَاظَ كَيْفَ جَعَلَ الْفِطْرَةَ لِلإِسْلامِ، فَإِنَّهُ فِطْرَةُ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَكَلِمَةُ الإِخْلاصِ: هِيَ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى وَالْمِلَّةُ لإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ صَاحِبُ الْمِلَّةِ: وَهِيَ التَّوْحِيدُ وَعِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَمَحَبَّتُهُ فَوْقَ كُلِّ مَحَبَّةٍ، وَالدِّينُ لِلنَّبِيِّ
J، وَهُوَ دِينُهُ الْكَامِلُ وَشَرْعُهُ التَّامُّ الْجَامِعُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَسَمَّاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ [إِمَامًا] وَ [أُمَّةً] وَ [قَانِتًا] وَ [حَنِيفًا]. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(2). فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ، وَأَنَّ الظَّالِمَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لا يَنَالُ رُتْبَةَ الإِمَامَةِ. وَالظَّالِمُ: هُوَ الْمُشْرِكُ، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عَهْدَهُ بِالإِمَامَةِ لا يَنَالُ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَأَتَيْنَاهُ فِي
__________
(1) أخرجه أحمد (3/406، 407) والدارمي (2/292) وابن السني (33) من حديث عبدالرحمن بن أبزي، وقال الأرنؤوطيان: سنده صحيح .
(2) سورة البقرة: 124 .

(1/88)


الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}(1).
فَالأُمَّةُ: هُوَ الْقُدْوَةُ الْمُعَلِّمُ لِلْخَيْرِ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ للهِ الْمُلازِمُ لِطَاعَتِهِ، وَالْحَنِيفُ: الْمُقْبِلُ عَلَى اللهِ، الْمُعْرِضُ عَمَّا سِوَاهُ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: هُوَ أَبُونَا الثَّالِثُ، وَهُوَ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ، وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ عَمُودَ الْعَالَمِ، وَجَمِيعُ أَهْلِ الْمِلَلِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَتَولِّيهِ وَمَحَبَّتِهِ. وَكَانَ خَيْرُ بَنِيهِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدٌ
J يُجِلُّهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيُبَجِّلُهُ وَيَحْتَرِمُهُ، فَفِي [الصَّحِيحَيْنِ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ J فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهُ J: [ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ](2). وَسَمَّاهُ شَيْخَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَثَبَتَ فِي [صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ] مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ
J أَنَّهُ قَالَ: [إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}(3). وَأوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ](4).
__________
(1) سورة النحل: 120 - 122 .
(2) أخرجه مسلم (2369) وأبوداود (4672) والترمذي (349) .
(3) سورة الأنبياء: 104 .
(4) أخرجه البخاري (الفتح 8/4740) ومسلم (2860) .

(1/89)


وَكَانَ رَسُولُ اللهِ J أَشْبَهَ الْخَلْقِ بِهِ، كَمَا فِي [الصَّحِيحَيْنِ] عَنْهُ قَالَ: [رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَإِذَا أَقْرَبُ النَّاسِ شَبَهًا بِهِ صَاحِبُكُمْ] يَعْنِي نَفْسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِى لَفْظٍ آخَرَ [وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ](1).
وَكَانَ
J يُعَوِّذُ أَوْلادَ ابْنَتِهِ حَسَنًا وَحُسَيْنًا بِتَعْوِيذِ إِبْرَاهِيمَ لإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، فَفِي [صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ] عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: [كَانَ النَّبِيُّ J يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: [إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ](2).
وَكَانَ
Jأَوَّلَ مَنْ قَرَى الضَّيْفَ، وَأَوَّلَ مَنِ اخْتَتَنَ، وَأَوَّلَ مَنْ رَأَى الشَّيْبَ، فَقَالَ: [مَا هَذَا يَارَبُّ؟ قَالَ: وَقَارٌ، قَالَ: رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا].
وَتَأَمَّلْ ثَنَاءَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ فِي إِكْرَامِ ضَيْفِهِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}(3).
فَفِي هَذَا الثَّنَاءُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ فَلْتُرَاجَعْ.
__________
(1) أخرجه البخاري (الفتح 6/3437) من حديث أبي هريرة، ومسلم (167) .
(2) أخرجه البخاري (الفتح 6/3371) .
(3) سورة الذاريات: 24 - 27 .

(1/90)


لَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الآيَةُ آدَابُ الضِّيَافَةِ الَّتِي هِيَ شَرَفُ الآدَابِ، وَمَا عَدَاهَا مِنَ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي هِيَ تَخَلُّفٌ وَتَكَلُّفٌ إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَوْضَاعِ النَّاسِ وَعَوَائِدِهِمْ وَكَفَى بِهَذِهِ الآدَابِ شَرَفًا وَفَخْرًا، فَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِهِمَا وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ.
وَقَدْ شَهِدَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ وَفَّى مَا أُمِرَ بِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}(1).قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: وَفَّى جَمِيعَ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ، وَوَفَّى مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}(2). فَلَمَّا أَتَمَّ مَا أُمِرَ مِنَ الْكَلِمَاتِ، جَعَلَهُ اللهُ إِمَامًا لِلْخَلائِقِ يَأْتَمُّونَ بِهِ.
وَكَانَ
J كَمَا قِيلَ: قَلْبُهُ لِلرَّحْمَنِ، وَوَلَدُهُ لِلْقُرْبَانِ، وَبَدَنُهُ لِلنِّيرَانِ، وَمَالُهُ لِلضِّيفَانِ.
__________
(1) سورة النجم: 36، 37 .
(2) سورة البقرة: 124 .

(1/91)


وَهُوَ الَّذِي بَنَى بَيْتَ اللهِ، وَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِحَجِّهِ، فَكُلُّ مَنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ حَصَلَ لإِبْرَاهِيمَ مِنْ مَزِيدِ ثَوَابِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ بِعَدَدِ الْحُجَّاجِ وَالْمُعْتَمِرِينَ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}(1). فَأَمَرَ نَبِيَّهُ J وَأُمَّتَهُ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى تَحْقِيقًا لِلاِقْتِدَاءِ بِهِ، وَإِحْيَاءِ آثَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيَّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنَاقِبُ هَذَا الإِمَامِ الأَعْظَمِ، وَالنَّبِيِّ الأَكْرَمِ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهَا كِتَابٌ، جَعَلَنَا اللهُ مِمَّنِ ائْتَمَّ بِهِ، وَلا جَعَلَنَا مِمَّنْ عَدَلَ عَنْ مِلَّتِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
مسالةٌ مشهورةٌ
ذَكرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ - تَفَاصِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَهيَ أَنَّ النَّبِيَّ
J أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، فَكَيْفَ طُلِبَ لَهُ مِنَ الصَّلاةِ مَا لإِبْرَاهِيمَ؟ مَعَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْمُشَبَّهِ؟ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ؟
ثُمَ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللهُ - مَا قَالَهُ النَّاسُ فِي هَذَا، مَعَ بَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ.
__________
(1) سورة البقرة: 125 .

(1/92)


ثُمَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: آلُ إِبْرَاهِيمَ فِيهِمُ الأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ لَيْسَ فِي آلِ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُمْ، فَإِذَا طُلِبَ لِلنَّبِيِّ J وَلآلِهِ مِنَ الصَّلاةِ مِثْلُ مَا لإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ - وَفِيهِمُ الأَنْبِيَاءُ - حَصَلَ لآلِ النَّبِيِّ J مِنْ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لا يَبْلُغُونَ مَرَاتِبَ الأَنْبِيَاءِ، وَتَبْقَى الزِّيَادَةُ الَّتِي لِلأَنْبِيَاءِ وَفِيهِمْ إِبْرَاهِيمُ لِمُحَمَّدٍ J، فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مِنَ الْمَزِيَّةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ.
وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ: أَنْ يَجْعَلَ الصَّلاةَ الْحَاصِلَةَ لإِبْرَاهِيمَ وَلآلِهِ وَفَِيهِمُ الأَنْبِيَاءُ جُمْلَةً مَقْسُومَةً عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ، وَلا رَيْبَ أَنَّهُ لا يَحْصُلُ لآلِ النَّبِيِّ
J مِثْلُ مَا حَصَلَ لآلِ إِبْرَاهِيمَ وَفِيهِمُ الأَنْبِيَاءُ، بَلْ يَحْصُلُ لَهُمْ مَا يَلِيقُ بِهِمْ، فَيَبْقَى قِسْمُ النَّبِيِّ J وَالزِّيَادَةُ الْمُتَوَفِّرَةُ الَّتِي لَمْ يَسْتَحِقَّهَا آلُهُ مُخْتَصَّةً بِهِ J، فَيَصِيرُ الْحَاصِلُ لَهُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَعْظَمَ وَأَفْضَلَ مِنَ الْحَاصِلِ لإِبْرَاهِيمَ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَهُ.

(1/93)


وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: مُحَمَّدٌ J هُوَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، بَلْ هُوَ خَيْرُ آلِ إِبْرَاهِيمَ، كَمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى أَدَمَ وَنُوحًا وَأَلَ إِبْرَاهِيمَ وَأَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}(1). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: مُحَمَّدٌ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَهَذَا نَصٌّ فَإِنَّهُ إِذَا دَخَلَ غَيْرُهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ فِي آلِهِ، فَدُخُولُ رَسُولِ اللهِ J أَوْلَى، فَيَكُونُ قَوْلُنَا: [كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ] مُتَنَاوِلاً لِلصَّلاةِ عَلَيْهِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ.
ثُمَّ قَدْ أَمَرَنَا اللهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ خُصُوصًا بِقَدْرِ مَا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ مَعَ سَائِرِ آلِ إِبْرَاهِيمَ عُمُومًا، وَهُوَ فِيهِمْ، وَيَحْصُلُ لآلِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِهِمْ وَيَبْقَى الْبَاقِي كُلُّهُ لَهُ
J.
__________
(1) سورة آل عمران: 33 .

(1/94)


وَتَقْرِيرُ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ خُصُوصًا، وَطَلَبَ لَهُ مِنَ الصَّلاَةِ مَا لآلِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ دَاخِلٌ مَعَهُمْ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الصَّلاَةَ الْحَاصِلَةَ لآلِ إِبْرَاهِيمَ وَرَسُولِ اللهِ J مَعَهُمْ أَكْمَلُ مِنَ الصَّلاةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ دُونَهُمْ، فَيَطْلُبُ لَهُ مِنَ الصَّلاَةِ هَذَا الأَمْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لإِبْرَاهِيمَ قَطْعًا، وَتَظْهَرُ حِينَئِذٍ فَائِدَةُ التَّشْبِيهِ وَجَرْيُهُ عَلَى أَصْلِهِ، وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ لَهُ مِنَ الصَّلاةِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَعْظَمُ مِنَ الْمَطْلُوبِ لَهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ إِنَّمَا هُوَ مِثْل الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَلَهُ أَوْفَرُ نَصِيبٍ مِنْهُ، صَارَ لَهُ مِنَ الْمُشَبَّهِ الْمَطْلُوبِ أَكْثَرَ مِمَّا لإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِمَّا لَهُ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنَ الْحِصَّةِ الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ.
فَظَهَرَ بِهَذَا مِنْ فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ آلِهِ وَفِيهِمُ النَّبِيُّونَ مَا هُوَ لائِقٌ بِهِ، وَصَارَتْ هَذِهِ الصَّلاةُ دَالَّةً عَلَى هَذَا التَّفْْضِيلِ وَتَابِعِةً لَهُ، وَهِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ وَمُقْتَضَيَاتِهِ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَجَزَاهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
معنى قوله :
"اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد"

(1/95)


قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللهُ -: حَقِيقَةُ الْبَرَكَةِ: الثُّبُوتُ وَاللُّزُومُ وَالاسْتِقْرَارُ، فَمِنْهُ بَرَكَ الْبَعِيرُ: إِذَا اسْتَقَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَمِنْهُ الْمَبْرِكُ لِمَوْضِعِ الْبُرُوكِ. قَالَ صَاحِبُ [الصِّحَاحِ]: وَكُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ وَأَقَامَ، فَقَدْ بَرَكَ. وَالْبَرْكُ: الإِبِلُ الْكَثِيرَةُ، وَالْبِرْكَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ كَالْحَوْضِ، وَالْجَمْعُ الْبِرَكُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ: وَيُقَالُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لإِقَامَةِ الْمَاءِ فِيهَا. وَالْبَرَاكَاءُ: الثَّبَاتُ فِي الْحَرْبِ وَالْجِدُّ فِيهَا، قَالَ الشَّاعِرُ(1):
وَلا يُنْجِي مِنَ الْغَمَرَاتِ إِلاَّ… بَرَاكَاءُ الْقِتَالِ أَوِ الْفِرَارُ
وَالْبَرَكَةُ: النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ، وَالتَّبْرِيكُ: الدُّعَاءُ بِذَلِكَ. وَيُقَالُ: بَارَكَهُ اللهُ وَبَارَكَ فِيهِ. وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَبَارَكَ لَهُ، وَفِي الْقُرْآنِ: {أنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا}(2).. وَفِيهِ: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ}(3). وَفِيهِ: {بَارَكْنَا فِيهَا}(4).
__________
(1) هو بشر بن أبي خازم، وهو في ديوانه (ص 79) والغمرات: الشدائد، واحدها: الغمرة. والبركاء بفتح الباء وضمها: أن يبرك الرجل في القتال ويثبت ولا يبرح .
(2) سورة النمل: 8 .
(3) سورة الصافات: 113 .
(4) سورة الأعراف: 137 .

(1/96)


وَفِي الْحَدِيثِ: [وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ](1).. وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ: [بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ](2).
وَالْمُبَارَكُ: الَّذِي قَدْ بَارَكَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ}(3).. وَكِتَابُهُ مُبَارَكٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ}(4).. وَقَالَ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ}(5)، وَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُسَمَّى مُبَارَكًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَمَنَافِعِهِ، وَوُجُوهِ الْبَرَكَةِ فِيهِ، وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقَالُ فِي حَقِّهِ [تَبَارَكَ] وَلا يُقَالَ: مُبَارَكٌ.
__________
(1) أخرجه أحمد (1/199، 200)، وأبوداود (1425)، والترمذي (464)، وحسَّنه، والنسائي (3/248)، وابن ماجه (1178)، والدارمي (1/373) من حديث الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال: [علمني رسول الله
J كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت ...] وصححه الحاكم (3/172)، ووافقه الذهبي .
(2) أخرجه البخاري (الفتح 7/3937)، وأحمد (3/190، 271) من حديث أنس بن مالك قال: قدم عبدالرحمن بن عوف، فآخى النبي
J بينه وبين سعد بن الربيع، وكان كثير المال، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان، فانظر أعجبها إليك، فأطلقها حتى إذا حلّت تزوجها، فقال عبدالرحمن: بارك اللهُ في أهلك ومالك، فلم يرجع يومئذ حتى أفضل شيئًا من سمن وأقط، فلم يلبث إلاَّ يسيرًا حتى جاء رسول الله J وعليه وضر من صفرة، فقال له رسول الله J: [مهيم؟] قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: [ما سقت إليها؟] قال: وزن نواة من ذهب. فقال: [أولم ولو بشاة].
(3) سورة مريم: 31 .
(4) سورة الأنبياء: 50 .
(5) سورة ص: 29 .

(1/97)


ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَّ [تَبَارَكَ] بِمَعْنَى بَارَكَ، مِثْلَ قَاتَلَ وَتَقَاتَلَ، قَالَ: إِلاَّ أَنَّ فَاعَلَ يَتَعَدَّى وَتَفَاعَلَ لا يَتَعَدَّى، وَهَذَا غَلَطٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا [تَبَارَكَ] تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ، وَهَذَا الثَّنَاءُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، إِنَّمَا هُوَ لِوَصْفِ رَجْعِ إِلَيْهِ كَتَعَالَى، فَإِنَّهُ تَفَاعَلَ مِنَ الْعُلُوِّ، وَلِهَذَا يُقْرَنُ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فَيُقَالُ: [تَبَارَكَ وَتَعَالَى]، وَفِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: [تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ] وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَأَوْلَى مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ بِيَدَيْهِ، وَكُلُّ الْخَيْرِ مِنْهُ، صِفَاتُهُ كُلُّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ، وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا حِكْمَةٌ، وَرَحْمَةٌ، وَمَصْلَحَةٌ، وَخَيْرَاتٌ لا شُرُورَ فِيهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ J: [وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ](1). وَإِنَّمَا يَقَعُ الشَّرُّ فِي مَفْعُولاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ، لاَ فِي فِعْلِهِ سُبْحَانَهُ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ وَغَيْرُهُ مُبَارَكًا لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَمَنَافِعِهِ وَاتِّصَالِ أَسْبَابِ الْخَيْرِ فِيهِ، وَحُصُولِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنْهُ، فَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ مُتَبَارَكًا، وَهَذَا ثَنَاءٌ يُشْعِرُ بِالْعَظَمَةِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالسَّعَةِ، كَمَا يُقَالُ: تَعَاظَمَ وَتَعَالَى وَنَحْوَهُ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَتِهِ، وَكَثْرَةِ خَيْرِهِ، وَدَوَامِهِ، وَاجْتِمَاعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ فِيهِ، وَأَنَّ كُلَّ نَفْعٍ فِي الْعَالَمِ كَانَ وَيَكُونُ، فَمِنْ نَفْعِهِ سُبْحَانَهُ وَإِحْسَانِهِ.
__________
(1) هو جزء من حديث طويل رواه مسلم (771)، والنسائي (2/199، 130) .

(1/98)


وَيَدُلُّ هَذَا الْفِعْلُ أَيْضًا فِي حَقِّهِ عَلَى الْعَظَمَةِ وَالْجَلالِ وَعُلُوِّ الشَّأْنِ، وَلِهَذَا إِنَّمَا يَذْكُرُهُ غَالِبًا مُفْتَتِحًا بِهِ كَلامَهُ وَعَظَمَتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ .. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطلْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمْرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(1). وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}(2).
فَقَدْ ذَكَرَ تَبَارُكَهُ سُبْحَانَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَثْنَى فِيهَا عَلَى نَفْسِهِ بِالْجَلالِ وَالْعَظَمَةِ، وَالأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِ كَمَالِهِ، مِنْ إِنْزَالِ الْفُرْقَانِ، وَخَلْقِ الْعَالَمِينَ، وَانْفِرَادِهِ بِالْمُلْكِ وَكَمَالِ الْقُدْرَةِ.
وَلِهَذَا قَالَ أَبُوصَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: تَبَارَكَ بِمَعْنَى تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُوعَبَّاسٍ: تَبَارَكَ: ارْتَفَعَ، وَالْمُبَارَكُ: الْمُرْتَفِعُ.
__________
(1) سورة الأعراف: 54 .
(2) سورة الفرقان: 1 .

(1/99)


وَقَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: تَبَارَكَ بِمَعْنَى تَقَدَّسَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تَبَارَكَ: تَجِيءُ الْبَرَكَةُ مِنْ قِبَلِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَبَارَكَ: تَعَظَّمَ، وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: تَمَجَّدَ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: تَبَارَكَ فِي ذَاتِهِ، وَبَارَكَ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ. وَهَذَا أَحْسَنُ الأَقْوَالِ، فَتَبَارُكُهُ سُبْحَانَهُ وَصْفُ ذَاتٍ لَهُ، وَصِفَةُ فِعْلٍ، كَمَا قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْنَاهُ عَظُمَ، وَكَثُرَتْ بَرَكَاتُهُ، وَلا يُوصَفُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ إِلاَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَالْمَقْصُودُ الْكَلاَمُ عَلَى قَوْلِهِ: [وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ] فَهَذَا الدُّعَاءُ يَتَضَمَّنُ إِعْطَاءَهُ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَعْطَاهُ لآلِ إِبْرَاهِيمَ، وَإِدَامَتَهُ وَثُبُوتَهُ لَهُ، وَمُضَاعَفَتَهُ لَهُ وَزِيَادَتَهُ، هَذَا حَقِيقَةُ الْبَرَكَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ}(1). وَقَالَ تَعَالَى فِيهِ وَفِي أَهْلِ بَيْتِهِ: {رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}(2).
__________
(1) سورة الصافات: 112، 113
(2) سورة هود: 73 .

(1/100)


وَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} وَلَمْ يَذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ. وَجَاءَ فِي التَّوْرَاةِ ذِكْرُ الْبَرَكَةِ عَلَى إِسْمَاعِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِسْحَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ، وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ [سَمِعْتَك هَانا بَارَكْتَه] فَجَاءَ فِي التَّوْرَاةِ ذِكْرُ الْبَرَكَةِ فِي إِسْمَاعِيلَ إِيذَانًا بِمَا حَصَلَ لِبَنِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، لا سِيَّمَا خَاتِمَةُ بَرَكَتِهِمْ وَأَعْظَمُهَا وَأَجَلُّهَا بِرَسُولِ اللهِ J، فَنَبَّهَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَا يَكُونُ فِي بَنِيهِ مِنْ هَذِهِ الْبَرَكَةِ الْعَظِيمَةِ الْمُوَافِيَةِ عَلَى لِسَانِ الْمُبَارَكِ J، وَذَكَرَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ بَرَكَتَهُ عَلَى إِسْحَاقَ مُنَبِّهًا لَنَا عَلَى مَا حَصَلَ فِي أَوْلاَدِهِ مِنْ نُبُوَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَغَيْرِهِ، وَمَا أُوتُوه مِنَ الْكِتَابِ وَالْعِلْمِ مُسْتَدْعِيًا مِنْ عِبَادِهِ الإِيمَانَ بِذَلِكَ، وَالتَّصْدِيقَ بِهِ، وَأَن لاَ يُهْمِلُوا مَعْرِفَةَ حُقُوقِ هَذَا الْبَيْتِ الْمُبَارَكِ وَأَهْلِ النُّبُوَّةِ مِنْهُمْ، وَلاَ يَقُولُ الْقَائِلُ: هَؤُلاءِ أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعَلُّقَ لَنَا بِهِمْ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا احْتِرَامُهُمْ، وَتَوْقِيرُهُمْ، وَالإِيمَانُ بِهِمْ، وَمَحَبَّتُهُمْ، وَمُوَالاَتُهُمْ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْبَيْتُ الْمُبَارَكُ الْمُطَهَّرُ أَشْرَفَ بُيُوتِ الْعَالَمِ عَلَى الإِطْلاقِ خَصَّهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْهُ بِخَصَائِصَ:
مِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَ فِيهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، فَلَمْ يَأْتِ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ نَبِيٌّ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.

(1/101)


وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّمَا دَخَلَ مِنْ طَرِيقِهِمْ وَبِدَعْوَتِهِمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ اتَّخَذَ مِنْهُمُ الْخَلِيلَيْنِ: إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدًا
J، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}(1). وَقَالَ النَّبِيُّ J: [إِنَّ اللهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً](2). وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْبَيْتِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ صَاحِبَ هَذَا الْبَيْتِ إِمَامًا لِلْعَالَمِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلْنَاسِ إِمَامًا}(3).
وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ بِنَاءَ بَيْتِهِ الَّذِي جَعَلَهُ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَقِبْلَةً لَهُمْ وَحَجًّا، فَكَانَ ظُهُورُ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الأَكْرَمِينَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَمَرَ عِبَادَهُ بَأنْ يُصَلُّوا عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، كَمَا صَلَّى عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِمْ وَسَلَفِهِمْ وَهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَآلُهُ، وَهَذِهِ خَاصَّةٌ لَهُمْ.
__________
(1) سورة النساء: 125 .
(2) ذكره الهيثمي في [مجمع الزوائد] (9/5) وعزاه للطبراني وقال: وفيه يزيد الألهاني وهو ضعيف.
(3) سورة البقرة: 124 .

(1/102)


وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْهُمُ الأُمَّتَيْنِ الْمُعَظَّمَتَيْنِ الَّتِي لَمْ تَخْرُجْ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ غَيْرِهِمْ، وَهُمْ أُمَّةُ مُوسَى وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا، وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ J تَمَامُ سَبْعِينَ أُمَّةً خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ(1).
وَمِنْهَا: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَبْقَى عَلَيْهِمْ لِسَانَ صِدْقٍ وَثَنَاءً حَسَنًا فِي الْعَالَمِ، فَلا يُذْكَرُونَ إِلاَّ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(2).
وَمِنْهَا: جَعَلَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ فُرْقَانًا بَيْنَ النَّاسِ، فَالسُّعَدَاءُ أَتْبَاعُهُمْ وَمُحِبُّوهُمْ وَمَنْ تَولاَّهُمْ، وَالأَشْقِيَاءُ مَنْ أَبْغَضَهُمْ وَأَعْرَضَ عَنْهُمْ وَعَادَاهُمْ، فَالْجَنَّةُ لَهُمْ وَلأَتْبَاعِهِمْ، وَالنَّارُ لأَعْدَائِهِمْ وَمُخَالِفِيهِمْ.
__________
(1) أخرجه أحمد (5/5)، والترمذي (3004) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبي
J يقول في قوله تعالى: [كنتم خير أمة أُخرجت للناس] قال: [إنكم تتمون سبعين، أنتم خيرها وأكرمها على الله] وسنده حسن.
(2) سورة الصافات: 108 ـ 110.

(1/103)


وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ ذِكْرَهُمْ مَقْرُونًا بِذِكْرِهِ، فَيُقَالُ: إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَنَبِيُّهُ، وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، وَخَلِيلُهُ وَنَبِيُّهُ، وَمُوسَى كَلِيمُ اللهِ وَرَسُولُهُ، قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ يُذَكِّرُهُ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}(1). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِهَا: إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي، فَيُقَالُ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فِي كَلِمَةِ الإِسْلامِ، وَفِي الأَذَانِ، وَفِي الْخُطَبِ، وَفِي التَّشَهُّدَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ خَلاصَ خَلْقِهِ مِنْ شَقَاءِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ عَلَى أَيْدِي أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ، فَلَهُمْ عَلَى النَّاسِ مِنَ النِّعَمِ مَا لا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهَا وَلا جَزَاؤُهَا، وَلَهُمُ الْمِنَنُ الْجِسَامُ فِي رِقَابِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَالأَيَادِي الْعِظَامِ عِنْدَهُمُ الَّتِي يُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ كُلَّ ضَرٍّ وَنَفْعٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ وَطَاعَةٍ للهِ تَعَالَى حَصَلَتْ فِي الْعَالَمِ، فَلَهُمْ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ عَامِلِيهَا، فَسُبْحَانَ مَنْ يَخْتَصُّ بِفَضْلِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سَدَّ جَمِيعَ الطُّرُقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَالَمِينَ، وَأَغْلَقَ دُونَهُمُ الأَبْوَابَ، فَلَمْ يَفْتَحْ لأَحِدٍ قَطُّ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِهِمْ وَبَابِهِمْ.
__________
(1) سورة الانشراح: 4 .

(1/104)


وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَصَّهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ أَهْلَ بَيْتٍ سِوَاهُمْ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَلَمْ يَطْرُقِ الْعَالَمَ أَهْلُ بَيْتٍ أَعْلَمُ بِاللهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَفْعَالِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرْعِهِ وَمَوَاقِعِ رِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَمَلائِكَتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ مِنْهُمْ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَمَعَ لَهُمْ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَصَّهُمْ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَقُرْبِهِ وَالاِخْتِصَاصِ بِهِ، بِمَا لَمْ يَخْتَصّ بِهِ أَهْلَ بَيْتٍ سِوَاهُمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَكَّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَاسْتَخْلَفَهُمْ فِيهَا، وَأَطَاعَ أَهْلَ الأَرْضِ لَهُمْ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَيَّدَهُمْ وَنَصَرَهُمْ وَأَظْفَرَهُمْ بِأَعْدَائِهِ وَأَعْدَائِهِمْ بِمَا لَمْ يُؤَيِّدْ غَيْرَهُمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَحَا بِهِمْ مِنْ آثَارِ أَهْلِ الضَّلالِ وَالشِّرْكِ، وَمِنَ الآثَارِ الَّتِي يُبْغِضُهَا وَيَمْقُتُهَا مَا لَمْ يَمْحُهُ بِسِوَاهُمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ غَرَسَ لَهُمْ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالإِجْلالِ وَالتَّعْظِيمِ فِي قُلُوبِ الْعَالَمِينَ مَا لَمْ يَغْرِسْهُ لِغَيْرِهِمْ.

(1/105)


وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ آثَارَهُمْ فِي الأَرْضِ سَبَبًا لِبَقَاءِ الْعَالَمِ وَحِفْظِهِ، فَلا يَزَالُ الْعَالَمُ بَاقِيًا مَا بَقِيَتْ آثَارُهُمْ، فَإِذَا ذَهَبَتْ آثَارُهُمْ مِنَ الأَرْضِ، فَذَاكَ أَوَانُ خَرَابِ الْعَالَمِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ}(1). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِهَا: لَوْ تَرَكَ النَّاسُ كُلُّهُمُ الْحَجَّ، لَوَقَعَتِ السَّمَاءُ عَلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: [لَوْ تَرَكَ النَّاسُ كُلُّهُمُ الْحَجَّ لَمَا نُظِرُوا. وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ J أَنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَرْفَعُ اللهُ بَيْتَهُ مِنَ الأَرْضِ وَكَلامَهُ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ(2). فَلا يَبْقَى لَهُ فِي الأَرْضِ بَيْتٌ يُحَجُّ وَلا كَلامٌ يُتْلَى، فَحِينَئِذٍ يَقْرُبُ خَرَابُ الْعَالَمِ، وَهَكَذَا النَّاسُ الْيَوْمَ إِنَّمَا قِيَامُهُمْ بِقِيَامِ آثَارِ نَبِيِّهِمْ وَشَرَائِعِهِ بَيْنَهُمْ، وَقِيَامُ أُمُورِهِمْ، وَحُصُولُ مَصَالِحِهِمْ، وَانْدِفَاعُ أَنْوَاعِ الْبَلاءِ وَالشَّرِّ عَنْهُمْ بِحَسَبِ ظُهُورِهَا بَيْنَهُمْ وَقِيَامِهَا، وَهَلاكُهُمْ وَعَنَتُهُمْ وَحُلُولُ الْبَلاءِ وَالشَّرِّ بِهِمْ عِنْدَ تَعَطُّلِهَا وَالإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَالتَّحَاكُمِ
__________
(1) سورة المائدة: 97 .
(2) روى ابن ماجه (4049) عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله
J: [يدرس الإسلام، كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة، ولا نسك ولا صدقة، وليسري على كتاب الله عزَّ وجلَّ في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ...]، قال البوصيري في [الزوائد] إسناده صحيح، رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم وصححه، والبيهقي في [شعب الإيمان] والضياء في [المختارة].

(1/106)


إِلَى غَيْرِهَا، وَاتِّخَاذِ سِوَاهَا.
وَمَنْ تَأَمَّلَ تَسْلِيطَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ سَلَّطَهُ عَلَى الْبِلادِ وَالْعِبَادِ مِنَ الأَعْدَاءِ، عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَعْطِيلِهِمْ لِدِينِ نَبِيِّهِمْ وَسُنَنِهِ وَشَرَائِعِهِ، فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَنْ أَهْلَكَهُمْ وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ، حَتَّى إِنَّ الْبِلادَ الَّتِي لآثَارِ الرَّسُولِ
J وَسُنَنِهِ وَشَرَائِعِهِ فِيهَا ظُهُورٌ دَفَعَ عَنْهَا بِحَسَبِ ظُهُورِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ.
وَهَذِهِ الْخَصَائِصُ وَأَضْعَافُ أَضْعَافِهَا مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ، فَلِهَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ
J أَنْ نَطْلُبَ لَهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُبَارِكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، كَمَا بَارَكَ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ الْمُعَظَّمِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَمِنْ بَرَكَاتِ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ، أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَظْهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ بَرَكَاتِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا لَمْ يُظْهِرْهُ عَلَى يَدَيْ أَهْلِ بَيْتٍ غَيْرِهِمْ.
وَمِنْ بَرَكَاتِهِمْ وَخَصَائِصِهِمْ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَعْطَاهُمْ مِنْ خَصَائِصِهِمْ مَا لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً، وَمِنْهُمْ الذَّبِيحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ آتَاهُ شَطْرَ الحُسْنِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَكْرَمِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ آتَاهُ مُلْكًا لَمْ يُؤْتِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَفَعَهُ مَكَانًا عَلِيًّا.
وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الْبَيْتَ وَذُرِّيَّتَهُ، أَخْبَرَ أَنَّ كُلَّهُمْ فَضَّلَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ.

(1/107)


وَمِنْ خَصَائِصِهِمْ وَبَرَكَاتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ رَفَعَ الْعَذَابَ الْعَامَّ عَنْ أَهْلِ الأَرْضِ بِهِمْ وَبِبَعْثِهِمْ، وَكَانَتْ عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي أُمَمِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُمْ أَنَّهُمْ إِذَا كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَرُسُلَهُمْ، أَهْلَكَهُمْ بِعَذَابٍ يَعُمُّهُمْ، كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمِ هُودٍ، وَقَوْمِ صَالِحٍ، وَقَوْمِ لُوطٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ، رَفَعَ بِهَا الْعَذَابَ الْعَامَّ عَنْ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَمَرَ بِجِهَادِ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَخَالَفَهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ نُصْرَةً لَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، وَشِفَاءً لِصُدُورِهِمْ وَاتِّخَاذِ الشُّهَدَاءِ مِنْهُمْ، وَإِهْلاكِ عَدُوِّهِمْ بِأَيْدِيهِمْ، لِتَحْصِيلِ مَحَابِّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَحُقَّ لأَهْلِ بَيْتٍ هَذَا بَعْضُ فَضَائِلِهِمْ أَنْ لاَ تَزَالُ الأَلْسُنُ رَطْبَةً بِالصَّلاةِ عَلَيْهِمْ وَالسَّلامِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، وَالْقُلُوبُ مُمْتَلِئَةٌ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ وَإِجْلاَلِهِمْ، وَأَنْ يَعْرِفَ الْمُصَلِّي عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ أَنْفَاسَهُ كُلَّهَا فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ مَا وَفَّى الْقَلِيلَ مِنْ حَقِّهِمْ، فَجَزَاهُمُ اللهُ عَنْ بَرِيَّتِهِ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ، وَزَادَهُمْ فِي الْمَلأِ الأَعْلَى تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، وَصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلاَةً دَائِمَةً لاَ انْقِطَاعَ لَهَا، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
فَصْلٌ
فِي اخْتِتَامِ الصلاة بهذين الاسمين
من أسماء الرب سبحانه وتعالى وهما :
"الحميد والمجيد"

(1/108)


الْحَمِيدُ: فَعِيلٌ مِنَ الْحَمْدِ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ، وَأَكْثَرُ مَا يَأَتِي فَعِيلاً فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِمَعْنَى فَاعِلٍ، كَسَمِيعٍ، وَبَصِيرٍ، وَعَلِيمٍ، وَقَدِيرٍ، وَعَلِيٍّ، وَحَكِيمٍ، وَحَلِيمٍ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ فَعُولٌ، كَغَفُورٍ، وَشَكُورٍ، وَصَبُورٍ.
فَالْحَمِيدُ هُوَ الَّذِي لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ وَأَسْبَابِ الْحَمْدِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُودًا وَإِنْ لَمْ يَحْمَدْهُ غَيْرُهُ، فَهُوَ حَمِيدٌ فِي نَفْسِهِ، وَالْمَحْمُودُ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَمْدُ الْحَامِدِينَ، وَهَكَذَا الْمَجِيدُ وَالْمُمَجَّدُ، وَالْكَبِيرُ وَالْمُكَبَّرُ، وَالْعَظِيمُ وَالْمُعَظَّمُ، وَالْحَمْدُ وَالْمَجْدُ إِلَيْهِمَا يَرْجِعُ الْكَمَالُ كُلُّهُ، فَإِنَّ الْحَمْدَ يَسْتَلْزِمُ الثَّنَاءَ وَالْمَحَبَّةَ لِلْمَحْمُودِ، فَمَنْ أَحْبَبْتَهُ وَلَمْ تُثْنِ عَلَيْهِ، لَمْ تَكُنْ حَامِدًا لَهُ حَتَّى تَكُونَ مُثْنِيًا عَلَيْهِ مُحِبًّا لَهُ، وَهَذَا الثَّنَاءُ وَالْحُبُّ تَبَعٌ لِلأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهُ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمَحْمُودُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنَعُوتِ الْجَلاَلِ وَالإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ، فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ أَسْبَابُ الْمَحَبَّةِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ هذِهِ الصِّفَاتُ أَجْمَعَ وَأَكْمَلَ، كَانَ الْحَمْدُ وَالْحُبُّ أَتَمَّ وَأَعْظَمَ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ مَّا، وَالإِحْسَانُ كُلُّهُ لَهُ وَمِنْهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِكُلِّ حَمْدٍ، وَبِكُلِّ حُبٍّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ وَلِصِفَاتِهِ وَلأَفْعَالِهِ وَلأَسْمَائِهِ وَلإِحْسَانِهِ، وَلِكُلِّ مَا صَدَرَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

(1/109)


وَأَمَّا الْمَجْدُ، فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَظَمَةِ وَالسَّعَةِ وَالْجَلالِ،وَالْحَمْدُ يَدُلُّ عَلَى صِفَاتِ الإِكْرَامِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ،وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْعَبْدِ [لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ] فَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ دَالٌّ عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ فِيهَا، فَأُلُوهِيَّتُهُ تَسْتَلْزِمُ مَحَبَّتَهُ التَّامَّةَ [اللهُ أَكْبَرُ] دَالٌّ عَلَى مَجْدِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَمْجِيدَهُ وَتَعْظِيمَهُ وَتَكْبِيرَهُ، وَلِهَذَا يَقْرِنُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا، كَقَوْلِهِ: {رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتَهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}(1).وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}(2)،فَأَمَرَ بِحَمْدِهِ وَتَكْبِيرِه. وَقَالَ تَعَالَى:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}(3). وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}(4).
__________
(1) سورة هود: 73 .
(2) سورة الإسراء: 111 .
(3) سورة الرحمن : 78 .
(4) سورة الرحمن : 27 .

(1/110)


وَفِي [الْمُسْنَدِ] وَ [صَحِيحِ أَبِي حَاتِمٍ] وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ J أَنَّهُ قَالَ: [أَلِظُّوا بِيَاذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ](1) يَعْنِي الْزَمُوهَا وَتَعَلَّقُوا بِهَا، فَالْجَلالُ وَالإِكْرَامُ: هُوَ الْحَمْدُ وَالْمَجْدُ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}(2). وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}(3). وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(4). وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}(5) . وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ حَدِيثِ دُعَاءِ الْكَرْبِ [لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ](6). فَذَكَرَ هَذَيْنِ الاِسْمَيْنِ [الْحَمِيدُ الْمَجِيدُ] عُقَيْبَ كُلِّ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ J وَعَلَى آلِهِ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}(7).
__________
(1) حديث صحيح بشواهد أخرجه الترمذي (3523) في الدعوات: باب (99) من حديث أنس، وأحمد في [المسند] (4/177)، والحاكم (1/499) من حديث ربيعة بن عامر، وأخرجه الحاكم أيضًا (1/994) من حديث أبي هريرة، وصححه ووافقه الذهبي .
(2) سورة النمل: 40 .
(3) سورة النساء: 149 .
(4) سورة الممتحنة: 7 .
(5) سورة البروج: 14 و 15 .
(6) أخرجه البخاري (الفتح 11/6345) ومسلم (2730).
(7) سورة هود: 73 .

(1/111)


وَلَمَّا كَانَتِ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ J وَهِيَ ثَنَاءُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَتَكْرِيمُهُ، وَالتَّنْوِيهُ بِهِ، وَرَفْعُ ذِكْرِهِ، وَزِيَادَةُ حُبِّهِ، وَتَقْرِيبُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْحَمْدِ وَالْمَجْدِ، فَكَأَنَّ الْمُصَلِّي طَلَبَ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَزِيدَ فِي حَمْدِهِ وَمَجْدِهِ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ هِيَ نَوْعُ حَمْدٍ لَهُ وَتَمْجِيدٍ، هَذَا حَقِيقَتُهَا، فَذَكَرَ فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ الاِسْمَيْنِ الْمُنَاسِبَيْنِ لَهُ، وَهُمَا اسْمَا الْحَمِيدِ وَالْمَجِيدِ. فَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ لِلرَّسُولِ J حَمْدًا وَمَجْدًا بِصَلاةِ اللهِ عَلَيْهِ، خُتِمَ هَذَا السُّؤَالُ بِاسْمَيْ [الْحَمِيدُ وَالْمَجِيدُ] وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ للِرَّسُولِ J حَمْدًا وَمَجْدًا، وَكَانَ ذَلِكَ حَاصِلاً لَهُ، خُتِمَ ذَلِكَ بِالإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِ ذَيْنِكَ الْوَصْفَيْنِ لِلرَّبِّ بِطَرِيقِ الأَوْلَى، إِذْ كُلُّ كَمَالٍ فِي الْعَبْدِ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلنَّقْصِ، فَالرَّبُّ أَحَقُّ بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا طَلَبَ لِلرَّسُولِ حَمْدًا وَمَجْدًا بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، خُتِمَ هَذَا الْمَطْلُوبُ بِالثَّنَاءِ عَلَى مُرْسِلِهِ بِالْحَمْدِ وَالْمَجْدِ، فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُتَضَمِّنًا لِطَلَبِ الْحَمْدِ وَالْمَجْدِ لِلرَّسُولِ
J وَالإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الصلاة على غير النبي
j

(1/112)


أَمَّا سَاِئِرُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُسَلَّمُ، قَالَ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(1). وَقَالَ عَنْ إِبرَاهِيمَ خَلِيلِهِ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (2). وَقَالَ فِي مُوسَى وَهَارُونَ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}(3). وَقَالَ تَعَالَى: {سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}(4). فَالَّذِي تَرَكَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى رُسُلِهِ فِي الآخِرِينَ هُوَ السَّلامُ عَلَيْهِمُ الْمَذْكُورُ.
__________
(1) سورة الصافات: 78 - 80 .
(2) سورة الصافات: 108 - 109 .
(3) سورة الصافات: 119 - 120 .
(4) سورة الصافات: 130 .

(1/113)


وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمْ فِي الآخِرِينَ: الثَّنَاءَ الْحَسَنَ، وَلِسَانَ الصِّدْقِ لِلأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ أَيْضًا وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَى هَذَا قَوْلَيْنِ لِلْمُفَسِّرِينَ، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَهُ عِنَايَةٌ بِحِكَايَةِ الأَقْوَالِ. بَلْ هُمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ السَّلامُ عَلَيْهِمْ فِي الآخِرِينَ نَفْسُهُ، فَلا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ: {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ} جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بـ [تَرَكْنَا] وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْعَالَمِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَى نُوحٍ وَمَنْ بَعْْدَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِلِسَانِ الصِّدْقِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، نَظَرَ إِلَى لازِمِ السَّلامِ وَمُوجِبِهِ، وَهُوَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ وَمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ لِسَانِ الصِّدْقِ الَّذِي لأَجْلِهِ إِذَا ذُكِرُوا، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ مَشْرُوعَةٌ مِنْهُمُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - وَغَيْرُهُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ أَنَّهُ لا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ نَبِيِّنَا
J، وَلَكِنْ قَالَ أَصْحَابُهُ: هِيَ مُؤَوَّلَةٌ بِمَعْنَى أَنَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِالصَّلاَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، كَمَا تَعَبَّدَنَا اللهُ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ J.
الصلاة على آل النبي
j
وَأمَّا مَنْ سِوَى الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ آلَ النَّبِيِّ
J يُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ خِلافٍ بَيْنَ الأُمَّةِ.
وَاخْتَلَفَ مُوجِبُو الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ
J فِي وُجُوبِهَا عَلَى آلِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لَهُمْ.

(1/114)


مسألة
هَلْ يُصَلَّى عَلَى آلِهِ
J مُنْفَرِدِينَ عَنْهُ؟ فَهَذِهِ الْمَسْأَلةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: [اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ] فَهَذَا يَجُوزُ، وَيَكُونُ
J دَاخِلاً فِي آلِهِ، فَالإِفْرَادُ عَنْهُ وَقَعَ فِي اللَّفْظِ، لاَ فِي الْمَعْنَى.
الثَّانِي: أَنْ يُفْرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالذِّكْرِ، فَيُقَالُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَلِيٍّ، أَوْ عَلَى حَسَنٍ، أَوْ حُسَيْنٍ، أَوْ فَاطِمَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ وَفِي الصَّلاةِ عَلَى غَيْرِ آلِهِ
J مِنَ الصَّحَابِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ مَنْ مَضَى، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا يَنْبَغِي الصَّلاَةُ إلاَّ عَلَى النَّبِيِّ
J.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِالْوَهَّابِ قَالَ: حَدَثَّنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَثَّنِي عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عِكْرَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: [لا تَصْلُحُ الصَّلاةُ عَلَى أَحِدٍ إِلاَّ عَلَى النَّبِيِّ
J وَلَكِنْ يُدْعَى لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ بِالاِسْتِغْفَارِ](1).
وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ.
__________
(1) فضل الصلاة على النبي لإسماعيل بن إسحاق القاضي وقال محققه الشيخ ناصر الدين الألباني، إسناده صحيح ورجاله ثقات.

(1/115)


عَنْ جَعْفَرَ بْنِ بُرْقَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ نَاسًا مِنَ النَّاسِ قَدِ الْتَمَسُوا الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَإِنَّ القُصَّاصَ قَدْ أَحْدَثُوا فِي الصَّلاةِ عَلَى خُلَفَائِهِمْ وَأُمَرَائِهِمْ عِدْلَ صَلاتِهِمْ عَلَى النّبِيِّ J، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي، فَمُرْهُمْ أَنْ تَكُونَ صَلاتُهُمْ عَلَى النَّبِيِّين، وَدُعَاؤُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً](1).
وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَلَهُمْ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَنْعُ تَحْرِيمٍ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ مَنْعُ كَرَاهِيَةِ تَنْزِيهٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الأَوْلَى وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، حَكَاهَا النَّوَوِيُّ فِي [الأَذْكَارِ] قَالَ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.
__________
(1) فضل الصلاة على النبي (ص 69) وقال الألباني، إسناده مقطوع صحيح، وقال محققا جلاء الأفهام رجاله ثقات.

(1/116)


ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّلاَمِ هَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الصَّلاةِ فَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: السَّلامُ عَلَى فُلانٍ، أَوْ قَالَ: فُلانٌ عَلَيْهِ السَّلامُ؟ فَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُومُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، وَمَنَعَ أَنْ يُقَالَ: عَنْ عَلِيٍّ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ فَقَالُوا: السَّلامُ يُشْرَعُ فِي حَقِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ حَيٍّ وَمَيِّتٍ، وَحَاضِرٍ وَغَائِبٍ، فَإنَّكَ تَقُولُ: بَلِّغْ فُلانًا مِنِّى السَّلامَ، وَهُوَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الإِسْلامِ، بِخِلافِ الصَّلاةِ فإِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ، وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُصَلِّى: [السَّلامُ عَلَيْنَا وَعلَي عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ] وَلا يَقُولُ: الصَّلاةُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَعُلِمَ الْفَرْقُ(1).
وَفَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ
J إِمَّا أَنْ يَكُونَ آلَهُ وَأَزْوَاجَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْ غَيْرَهُمْ، فَإِنْ كَانَ الأَوَّلَ فَالصَّلاةُ عَلَيْهِمْ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ J وَجَائِزَةٌ مُفْرَدَةٌ.
__________
(1) ساق المؤلف - رحمه الله - عقب هذا الكلام أدلة القائلين بعدم جواز الصلاة على غير النبي
J وآله وأدلة من يقول بالجواز. ثم ختم ذلك بقوله: [وفصل الخطاب ..].

(1/117)


وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنْ كَانَ الْمَلائِكَةَ وَأَهْلَ الطَّاعَةِ عُمُومًا الَّذِينَ يَدْخُلُ فِيهِمُ الأَنْبِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ، جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَيُقَالُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَإنْ كَانَ شَخْصًا مُعَيَّنًا، أَوْ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً كُرِهَ أَنْ يَتَّخِذَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ شِعَارًا لا يُخِلُّ بِهِ. وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، لا سِيَّمَا إِذَا جَعَلَهَا شِعَارًا لَهُ، وَمَنَعَ مِنْهَا نَظِيرَهُ، أَوْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهَذَا كَمَا تَفْعَلُ الرَّافِضَةُ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُمْ حَيْثُ ذَكَرُوهُ قَالُوا: عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَلا يَقُولُونَ ذَلِكَ فِيمَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَهَذَا مَمْنُوعٌ لا سِيَّمَا إِذَا اتُّخِذَ شِعَارًا لا يُخِلُّ بِهِ، فَتَرْكُهُ حِينَئِذٍ مُتَعَيِّنٌ، وَأَمَّا إِنْ صَلَّى أَحْيَانًا بِحَيْثُ لا يَجْعَلُ ذَلِكَ شِعَارًا كَمَا يُصَلِّي عَلَى دَافِعِ الزَّكَاةِ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْمَيِّتِ: [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ]. وَكَمَا صَلَّى النَّبِيُّ {J= عليه الصلاة والسلام} عَلَى الْمَرأَةِ وَزَوْجِهَا، وَكَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ صَلاتِهِ عَلَى عُمَرَ فَهَذَا لا بَأْسَ بِهِ.وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ تَتَّفِقُ الأَدِلَّةُ وَيَنْكَشِفُ وَجْهُ الصَّوَابِ. وَاللهُ الْمُوَفِّقُ.

==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب : أخبار الحمقى والمغفلين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي

  كتاب : أخبار الحمقى والمغفلين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي أخبار الحمقى والمغفلين مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ ...